في لحظة فارقة من تاريخها التنموي، تقف الكويت اليوم على أعتاب تحول استراتيجي شامل، يعيد رسم ملامح الدولة الحديثة وفق رؤية طموحة تتجاوز حدود التخطيط التقليدي، لتلامس آفاق المستقبل بثقة وثبات. فالحراك الحكومي المتكامل الذي تشهده البلاد ليس مجرد سلسلة من المشاريع الكبرى، بل هو إعادة صياغة منهجية التنمية الوطنية، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة، ورؤية اقتصادية متجددة تتناغم مع تطلعات «كويت جديدة 2035».
وما يميز هذه المرحلة هو الربط الذكي بين الديبلوماسية الاقتصادية والانفتاح على الشراكات الاستراتيجية، لاسيما مع الصين واليابان، وبين منظومة إصلاحات داخلية شاملة تشمل التشريعات، البنية التحتية، والحوكمة. هذا التوازن بين الداخل والخارج يعكس وعيا سياسيا واقتصاديا بأن التنمية لا تبنى في فراغ، بل تحتاج إلى بيئة تشريعية مرنة، ومؤسسات تنفيذية فعالة، وشراكات دولية مدروسة.
وهناك مشاريع عملاقة برؤية دقيقة، فمن ميناء مبارك الكبير إلى محطة الزور الشمالية، ومن تطوير سوق المال إلى المدن الذكية، تتسارع وتيرة الإنجاز في مشاريع تمثل حجر الزاوية في خطة التنمية السنوية 2025-2026. هذه المشاريع لا تهدف فقط إلى تحسين الخدمات، بل إلى خلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل، واستقطاب استثمارات بقيمة 10 مليارات دينار، وتحقيق إيرادات سنوية تصل إلى مليار دينار بحلول عام 2030.
في ظل هذا التحول، تبرز أهمية إشراك القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الكبرى، ليس فقط لتخفيف العبء المالي عن الميزانية العامة بنسبة تصل إلى 30%، بل أيضا للاستفادة من خبراته في التشغيل والإدارة، وتسريع وتيرة الإنجاز، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.
وما يبعث على التفاؤل هو أن هذه الجهود المتكاملة بدأت تنعكس إيجابا على مؤشرات النمو الاقتصادي، كما توقعت مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وستاندرد آند بورز. فالكويت تسير بخطى ثابتة نحو تعاف اقتصادي يصل إلى 2.2% في 2025، مدفوعا بإلغاء سقوف الإنتاج النفطية، والتوسع بالقطاعات غير النفطية، وتحسن عملية صنع القرار.
gstmb123@hotmail.com