في خضم التوترات الإقليمية والاضطرابات السياسية التي تمر بها المنطقة، عادت إلى الواجهة الفترة الماضية قضية اتفاقية «خور عبدالله»، وهي الاتفاقية التي كانت رمزا للتفاهم البحري بين الكويت والعراق منذ توقيعها عام 2013، لتنظيم الملاحة في هذا الممر الحيوي الفاصل بين البلدين. حيث شهدنا، بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بإبطال الاتفاقية، تحركات رسمية عراقية جادة للطعن في هذا القرار، وهو ما يستدعي التوقف والتأمل في أبعاده القانونية والسياسية.
ففي خطوة لافتة، تقدم كل من رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني بطعنين منفصلين إلى المحكمة الاتحادية العليا، طالبين فيها العدول عن قرارها الذي أبطل القانون رقم 42 لسنة 2013. هذه الخطوة لا تأتي من فراغ، بل تعكس إدراك القيادة العراقية حساسية الاتفاقية، ومدى تأثير قرار الإبطال على علاقات العراق الخارجية، خصوصا مع دولة الكويت.
ما يدعو إلى التأمل هو استناد الطعنين إلى المادة الثامنة من الدستور العراقي، والتي تنص على التزام العراق بمبدأ حسن الجوار واحترام التزاماته الدولية، وهذا التأكيد الدستوري يعبر عن رغبة حقيقية من بغداد في تصحيح مسار قانوني قد يكون شابته العجلة أو التسرع، خاصة أن الاتفاقية لا تمس ترسيم الحدود الذي حسم بقرار مجلس الأمن رقم 833، بل تنظم فقط شؤون الملاحة في «خور عبدالله»، بما يضمن الاستقرار والتعاون المشترك.
يبقى السؤال الأهم: هل ستأخذ المحكمة الاتحادية العليا بهذه الطعون؟ وهل ستعيد الاعتبار للقانون الذي صادق على الاتفاقية؟ لا شك أن أي قرار قضائي لابد أن يبنى على أسس قانونية راسخة، لكن من المهم أيضا أن تراعي المؤسسة القضائية في العراق تداعيات قراراتها على السياسة الخارجية والروابط الإقليمية.
في خضم هذه التطورات، لا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي لعبته الكويت في تعاملها مع أزمة «خور عبدالله» بحكمة سياسية واحترافية عالية، فالكويت لم تنجر إلى التصعيد الإعلامي أو السياسي، بل اختارت قنواتها الشرعية والدولية، حيث عبرت بصراحة ووضوح عن موقفها في المحافل الإقليمية والدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، الذي شهد تحركات كويتية مدروسة للدفاع عن الاتفاقية وتأكيد شرعيتها.
هذا التحرك الكويتي لم يكن انفعاليا، بل استند إلى سجل قانوني قوي، ومواثيق دولية، على رأسها القرار 833 لمجلس الأمن، الذي حسم مسألة الحدود البحرية، فالكويت أظهرت من جديد أنها دولة قانون وديبلوماسية مؤسسية، تعرف متى تصمت ومتى تتكلم.. ومتى تقف بحزم.
إن اتفاقية «خور عبدالله» ليست مجرد وثيقة قانونية بين بلدين، بل تجسيد لمسار من التعاون والتفاهم بين دولتين جارتين، عانتا من ويلات الماضي، وتسعيان اليوم لبناء مستقبل قائم على الشراكة والاحترام، الكويت، من جانبها، لطالما مدت يدها نحو العراق بروح الأخوة والجيرة الطيبة، ونأمل أن يقابل هذا الحرص بتقدير مماثل يترجم إلى أفعال تحفظ المصالح المشتركة، وتحترم ما تم توقيعه في إطار السيادة والاعتراف الدولي.
Turky_q8@icloud.com