حين تطلق دولة مثل الكويت نظاما متكاملا للتأشيرات الإلكترونية، فذلك لا يعد قرارا إداريا عابرا، بل يعكس رؤية تستشرف المستقبل، وتفهم أن العالم الحديث يدار من خلف الشاشات، وبضغطة زر. أربع تأشيرات: عائلية، سياحية، تجارية، ورسمية أصبحت الآن متاحة عبر منصة إلكترونية واحدة، ما يمثل قفزة رقمية جديرة بالثناء في منطقة أصبحت المنافسة فيها على أشدها، خاصة في قطاعات مثل السياحة والاستثمار.
هذه الخطوة لا يستهان بها، فهي تضع الكويت في مصاف الدول التي تدرك أن الانفتاح ليس ترفا، بل ضرورة في زمن يتسابق فيه الجميع على تسهيل الوصول، وتحسين صورة البلاد أمام العالم، التأشيرة العائلية على وجه الخصوص لامست بعدا إنسانيا مهما، حيث أصبح من حق المقيم أن يلم شمل أسرته بسهولة وكرامة.
لكن هذه الخطوة رغم أهميتها تحتاج إلى خطوات أخرى حتى نشجع السائح على القدوم يتم من خلالها التركيز على تطوير البنية التحتية لتواكب هذا الانفتاح، فبعد أن نمنح الزائر إذن الدخول خلال دقائق، يجب التأكد من توفير خدمات معينة منها وسيلة نقل عامة لائقة، وخدمات فندقية متنوعة، وكذلك جدول ثقافي وترفيهي حقيقي يجعله يفكر في العودة مرة أخرى.
السياحة ليست تأشيرة فقط، بل منظومة تبدأ من الطيران وتنتهي عند الذكريات، وهكذا يجب التفكير في مزيد من التوسع في الطيران الكويتي، وتحديثه، فدول الجوار تضاعف أرقامها سنويا وتفتح خطوطا جديدة كل شهر، وهذا ما يجب أن تقوم به اي دولة تريد جذب السائح في عالم يدار من المطارات أولا.
أما على مستوى تجربة التأشيرة ذاتها، فإن الأمر يتطلب مزيدا من الاهتمام وذلك عبر التعامل مع بعض الشكاوى من زوار تعرقل طلباتهم دون توضيح، أو يطلب منهم إعادة خطوات يفترض أن تكون آلية بالكامل. ونذكر هنا أن بعض الدول تصدر تأشيراتها خلال دقائق بل وتسمح بإصدارها من داخل الطائرة.
ثم نأتي للسياحة نفسها: ما الذي ينتظر أن يراه الزائر؟ نعم، هناك تراث جميل، ومتاحف تستحق، وتاريخ لا يستهان به… لكننا بحاجة إلى الاهتمام بالتسويق، والجولات المنظمة، كما ينبغي توفير تطبيق يرشده السائح، وكذلك النقل المريح الذي يأخذه من المطار إلى الفندق ثم إلى الأسواق والمواقع، وكذا زيادة تنوع الفنادق. فلا يمكن الحديث عن تنشيط السياحة دون التطرق إلى البنية الفندقية، فهي من الأساسيات التي يبحث عنها أي زائر، من خيارات اقتصادية تناسب العائلات والشباب، إلى أخرى فاخرة تناسب رجال الأعمال والسياح الباحثين عن الرفاهية. فالفنادق ليست مجرد مأوى، بل تجربة تكمل انطباع الزائر وتسهم في عودته أو نفوره.
لا نقلل من حجم الإنجاز في إطلاق التأشيرات الإلكترونية، بل على العكس، نحيي من دفع بها وأشرف على تنفيذها. لكن الطموح لا يكتمل إلا حين تمتد اليد ذاتها لتعالج ما بعدها: أن نهيئ المطار ليواكب الزيادة المتوقعة، أن ننشئ شركات نقل سياحي ذكية، أن نفعل البطاقات السياحية التفاعلية، أن ندرب الكوادر، أن نفتح المجال للقطاع الخاص كي يبدع، ويستثمر، ويخلق تجربة لا تنسى.
التأشيرة الإلكترونية هي بداية طيبة، والمهم الآن ألا نتوقف عندها، لأن السائح لا يبحث فقط عن الدخول السهل، بل عن الرحلة المتكاملة. والكويت، وكرم أهلها، تستحق أن تكون وجهة مكان تعيشه لا تزوره، وحكاية تبقى لا تنسى.