الكثيرون يتساءلون عن التوجه لإلغاء ميزة «المكلف برعاية معاق»، وهل ستشمل الجميع، بسبب ما يقال عن انتشار بعض حالات التزوير وما يكلفه هذا الامتياز من أعباء على ميزانية الدولة، والتي تقدر بـ 450 مليون دينار سنويا؟ وهنا تبرز تساؤلات مشروعة حول ذلك: من سيدفع ثمن هذا القرار؟ وهل يعقل أن يعاقب الملتزم والمضحي بسبب المزور والمتحايل؟ خلف هذه الأرقام تكمن معاناة لا تحتسب، (الرقم الذي يتداول اليوم 450 مليونا من الميزانية)، لكنه لا يعبر عن التكاليف النفسية والجسدية والاجتماعية التي تتحملها أسر ذوي الإعاقة يوميا. آلاف الكويتيين، نساء ورجالا، غيروا نمط حياتهم بالكامل للتفرغ لرعاية أبنائهم أو ذويهم من أصحاب الإعاقات المتوسطة والشديدة.
هذا التفرغ ليس خيارا ترفيهيا، بل ضرورة يفرضها الواقع الصحي والنفسي، ويؤدي في كثير من الحالات إلى خسارة وظائف، وتفكك اجتماعي، وضغوط نفسية حادة.
محاربة التزوير لا تكون على حساب المكلفين الحقيقيين برعاية المعاقين من ذويهم، نعم، هناك متجاوزون. هذا لا خلاف عليه، ولكن معالجة التزوير لا تكون بـ «إلغاء شامل» يضر بالمستحقين. التعميم في اتخاذ القرارات من أخطر أشكال الظلم الإداري، لأنه يزيد من شعور الفئات الضعيفة بأنها منسية أو مهمشة.
الحكومة تملك من الأدوات ما يكفي لمكافحة التزوير وكشف المزورين دون أن تمس حقوق الراغبين بصدق في خدمة أبنائهم. لماذا لا تفعل أدوات الرقابة والمتابعة الميدانية؟ ولماذا لا تحدث البيانات بشكل دوري مع الجهات الطبية والرقابية؟
الجانب النفسي: ضرر لا يقدر بثمن قرار كهذا، حتى لو كان لا يزال في طور التوصيات، فقد أحدث قلقا عميقا داخل آلاف البيوت الكويتية. الشعور بالخوف من المستقبل، واللا يقين حول مصير الأسر التي فيها معاق بحاجة إلى من يرعاه، خلق حالة من الضغط النفسي الذي لا تظهر آثاره في التقارير المالية، لكنه ينعكس على الاستقرار المجتمعي.
هل يعقل أن يطلب من الأم أو الأب الذي يكرس يومه لرعاية طفل معاق أن يعود للعمل، ويترك من لا يستطيع الحركة أو التعبير عن نفسه؟ هل الأموال أغلى من كرامة الإنسان؟ من احتياجاته الأساسية؟ من استقرار بيته؟ الكويت التي نعرفها، لا تتخلى عن أهلها، الكويت، التي كانت دائما سباقة في احترام حقوق الإنسان، وفي حماية الضعفاء، وتقدم نموذجا إنسانيا في دعم ذوي الإعاقة وأسرهم يجب أن تستمر.
الكويت التي حازت ريادة العمل الإنساني، يجب ألا تقحم حقوق الفئات الأكثر احتياجا في حسابات الميزانية فقط. نتمنى ضمان وجود بدائل فعلية لرعاية المعاقين قبل التفكير في سحب المزايا من المكلفين.
نثق بأن من بيدهم القرار في الكويت يدركون حجم المسؤولية الأخلاقية قبل الإدارية. وأن الدعم لذوي الإعاقة ليس ترفا أو كرما، بل واجب وطني وإنساني أصيل.
وأملنا كبير في وزيرة الشؤون الاجتماعية وشؤون الأسرة والطفولة، الإنسانة د.أمثال الحويلة، ووكيل الوزارة النشيط د.خالد العجمي وما يقدمانه في سبيل تحسين أوضاع المعاقين للأفضل، ومعهما جميع العاملين في الوزارة الذين يضعون المعاقين نصب أعينهم، ويحرصون على دعمهم وتقديم كل ما فيه مصلحة ذوي الإعاقة وأسرهم.
من حق الدولة محاربة التزوير والجميع معها في ذلك، والكل مع حفظ كرامة وحقوق من وهبوا حياتهم لخدمة أبنائهم. نطالب بإعادة النظر، ومشاركة أهالي ذوي الإعاقة في أي قرار يخصهم، فهم الأدرى بواقعهم، وهم الشركاء الحقيقيون في بناء مجتمع عادل، متكافل، وإنساني، العدالة لا تعني المساواة فقط، بل مراعاة ظروف كل فئة. وذوو الإعاقة وأهاليهم ليسوا عبئا على الدولة، بل فئة يجب أن نعطيها الأولوية بالرعاية والدعم.
إن المساس بحقوقهم، ولو بحجة وجود حالات تزوير، هو مساس بقيمنا الإنسانية قبل أن يكون خطأ إداريا.
الكويت ديرة خير وستبقى رمزا للإنسانية بقيادتها الحكيمة ووفاء شعبها.