y.abdul@alanba.com.kw
أُمّاه يا منيرة!
رحمك الله يا أُمّ الشهداء..
نعم.. نشهد أنك الأمّ الصابرة..
أنت فعلا خنساء الكويت يا أُمّ الجميع.
عزيزي القارئ في كل مكان رافقني لأعرض عليك أنموذجا لأمّ كويتية عجيبة في الصبر والاحتساب والفقد!
سلسلة من فقدان الأعزاء، بدأت الملحمة الدرامية بوفاة زوجها العم عبدالله خميس راشد الفزيع عام 1987، وهو صديق العم راشد أحمد الخلف والد زوجتي أطال الله في عمره، وكانوا جيراناً في منطقة شرق.
كنت في السبعينيات بين بيتين، بيتنا بمنطقة القادسية وبيت صديق عمري المرحوم بإذن الله تعالى محمد عبدالله خميس الفزيع بمنطقة العديلية، دخلنا معا معهد المعلمين في المرقاب عام 1968 وتخرجت 1972، لكن أخي وصديقي محمد الفزيع نجلها الأكبر لم يكمل والتحق بشركة الاتصالات أو غيرها لا أعرف (نسيت) ولم يفرقني عنه إلا هادم اللذات.
وتبدأ (دراما المأساة) كانت أول صدمة لي فقدان صديق عمري المقرب حبيبي محمد عبدالله خميس راشد الفزيع - أبو أحمد - في حادث سيارة مروع، حيث صدمه شاب قاصر، وتوفي هو وابناه خالد وسمية في عام 1987.
وفي عام 1990 إبان الاحتلال العراقي الغاشم لدولتنا استشهد لها اثنان من الأبناء هما: عبدالحميد عبدالله خميس راشد الفزيع وناصر عبدالله خميس راشد الفزيع، وحفيدها الشهيد عبدالله حامد عبدالله خميس راشد الفزيع، رحمهم الله جميعا.
كان آخر عهدي بأخي عبدالحميد في الحج قبل الاحتلال العراقي، حيث وجدته في جدة وأنا نازل في (مطار الملك عبدالعزيز) إذ به يصر على إيصالي إلى مكة المكرمة، رحمك الله يا عبدالحميد كم كنت إنسانا في مواقفك!
بعد وفاة واستشهاد 3 من الأبناء وحفيد فقدت هذه المرأة الكويتية الطيبة الصابرة بصرها ودخلت الظلام الذي عاشته واقعا بعد فقد البصر.
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
ثم تتوالى الأحداث ويتوفى ابنها الرابع عبدالعزيز عبدالله خميس راشد الفزيع إثر المرض الشين (السرطان)، ثم في السنة نفسها 2018 توفي حفيدها حمد حامد عبدالله خميس راشد الفزيع، رحمهم الله جميعا.
وفي عام 2020 توفيت ابنتها عفيفة عبدالله خميس راشد الفزيع، وبعد أسبوعين توفي ابنها الغالي علينا جميعا محمود عبدالله خميس راشد الفزيع بفيروس الكورونا أثناء الجائحة. والأخ محمود الفزيع واحد من رجالات الكويت الذين عملوا في العمل الخيري والتطوعي وهو قدوة للأجيال، فلقد كان كويتيا حتى النخاع بأخلاقه وعمله الخيري والتطوعي والوطني، رحمك الله يا بوفيصل الفقيدة!
وفي عام 2024 توفيت حفيدتها عائشة عبدالحميد عبدالله خميس راشد الفزيع.
وفي يوم الجمعة الموافق 4 شوال 1446هـ الموافق 4/4/2025 رحلت والدتنا جميعا خنساء الكويت الصابرة المحتسبة العمة منيرة فهد عبدالرحمن البلوشي لتدفن في مقبرة الصليبخات وسط جموع حاشدة قدمت للمشاركة في جنازتها الطاهرة بعد ان احتلت قلوب أهل الديرة الكرام.
الفقد والله مؤلم وموجع وكأنه بتر من جسمك دون بنچ!
أُماه.. يا من لم تجزعي من قدر الله وواجهت قدرك بصبر مستلهمة صبر نبي الله أيوب عليه السلام فكنت على الدوام أُم الجميع قدوة وفخراً واعتزازاً يا أم محمد الغالية العزيزة.
لا يذهب ألم الفقد حتى وإن مرت الأيام، لكن عزيزي القارئ الكريم إن أجر الصابرين عظيم.
أسجل لك هنا بمداد الحب والوفاء والثناء ما قمت به وتحملته راضية بأقدار الله، ومنك تعلمنا الدروس في الصبر والفقد، فكنت على الدوام أمّ الرجال ومضرب الأمثال، جزى الله خيرا من قرأ وترحم على شهداء هذه الأسرة الكريمة التي نعتز بها وبتضحياتها.
ربي يرزق إخواني من عائلتي (الفزيع والبلوشي الكرام) الصبر والسلوان وتبقى الحقيقة: حتى تعرف هذه الأم الرائعة الصابرة المحتسبة عليك ان تستذكر كم عانت من الألم والوجع والفقد المتوالي!
أماه.. منيرة يا درة النساء ربي يغسلك بالماء والثلج والبرد وينقيك كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة ومنزلتك في جنات عدن في الفردوس الأعلى من الجنة.
ولم يبق شيء يربطنا بهم كشهداء وموتى إلا الدعاء، فاللهم ارحم كل من ماتوا وأطل عمر كل الأحباب!
أقول أُمي فيصغي الكون في شغف
وكل ساطعة في الأفق تبتسم
يا جنة الله في الدنيا وواحته
يا بلسم القلب ما مسّه السقم
لولا حنانك لا ورد ولا عبق
ولا ظلال ولا ماء ولا نسم
رحمك الله يا أمنا، وموعدنا معك في بيت الحمد إن شاء الله..
(إنا لله وإنا إليه راجعون).