توقع تقرير بنك الكويت الوطني أن يعود الاقتصاد الكويتي للنمو الإيجابي خلال العام المقبل بدعم من قرار منظمة الأوپيك وحلفائها بإلغاء التخفيضات الطوعية للدول الأعضاء اعتبارا من نهاية عام 2024، وقد يشهد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموا بوتيرة أسرع قليلا مقارنة بعام 2024، إذ يتوقع أن يصل النمو لنحو 2.6% بفضل خفض أسعار الفائدة وتحسن مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي والآفاق الإيجابية للإصلاحات الهيكلية المتوقعة، وعلى الرغم من ذلك، فإن تحقيق نمو مستدام مماثل لبعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى سيبقى من التطلعات التي تتطلب تحقيق أداء أقوى.
وذكر تقرير الوطني انه يتوقع كذلك أن يستمر العجز المالي حتى عام 2025، ما قد يستدعي استمرار جهود ضبط إنفاق المالية العامة، على الرغم من أن الإنفاق الرأسمالي قد يبقى مرتفعا مقارنة بالمستويات المنخفضة التي شهدناها مؤخرا، وتبقى آفاق النمو مرهونة بعدة عوامل، أبرزها ارتفاع أسعار النفط وإحراز تقدم ملموس في الإصلاحات الهيكلية، من جهة أخرى، تكمن المخاطر السلبية في احتمال تراجع أسعار النفط وازدياد التوترات الإقليمية.
الاقتصاد سيعود إلى النمو الإيجابي
وبين تقرير الوطني ان الاقتصاد غير النفطي سيشهد انتعاشا ملحوظا خلال الفترة 2024-2025، بعد معاناته لنحو عامين من النمو السلبي، وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الكويتي سيحقق نموا بنسبة 2.3% خلال العام الحالي، ثم يرتفع إلى 2.6% في عام 2025. وبعد فترة من التباطؤ، استقر نمو الإنفاق الاستهلاكي (+5.4% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2024)، ما يبرز عودة معنويات الثقة إلى السوق، كما شهدت المؤشرات الاقتصادية الأخرى تحسنا ملحوظا، مثل الائتمان المصرفي (+2.2% منذ بداية العام حتى أغسطس)، والمبيعات العقارية (+24% على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي)، إلى جانب تسارع وتيرة إسناد المشاريع الكبرى، بما يوحي بأن نمو الاقتصاد الكويتي قد يكون على أعتاب التحسن، كما تشير البيانات الرسمية (غير نهائية وقد تخضع للمراجعة) إلى أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بلغ نحو 3.5% في النصف الأول من عام 2024، ويعزى ذلك جزئيا إلى الأداء القوي لقطاع التصنيع (خاصة في مجال التكرير) بعد الزيادة الكبيرة التي شهدها إنتاج مصفاة الزور، التي تم تدشينها في عام 2023 وتصل طاقتها الإنتاجية إلى نحو 615 ألف برميل يوميا.
انتعاش دوري
وأضاف تقرير «الوطني»: «على الرغم من إمكانية حدوث انتعاش دوري، إلا أن توقعاتنا للنمو غير النفطي لاتزال أقل من المتوسط التاريخي للفترة الممتدة ما بين 2011-2019 (+3.3%)، وذلك في ظل العديد من التحديات الهيكلية الرئيسية التي قد تظهر في المستقبل، وتشمل هذه التحديات معالجة معدلات الاستثمار المنخفضة، والحاجة لضبط أوضاع المالية العامة، وانخفاض ترتيب الكويت في مقاييس القدرة التنافسية مقارنة بنظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي. ونتوقع إحراز تقدم ملحوظ في المستقبل على هذه الأصعدة مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك انعكاسا لزيادة فعالية اتخاذ القرار في ظل المناخ السياسي الجديد. وفي حين أن الحكومة لم تصدر بعد أجندة عملها للفترة المقبلة، هناك حاجة إلى تغيير تدريجي في وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لضمان توافق نمو القطاع غير النفطي الكويتي بصفة مستدامة مع معدلات النمو غير النفطي الحالية التي تبلغ 4% في السعودية والإمارات، كما نتطلع إلى إمكانيات نمو قوية خلال السنوات القادمة في عدد من القطاعات، مثل المرافق العامة، والإسكان، والنقل، والسياحة، والترفيه».
أما على صعيد قطاع النفط فمن المتوقع تسجيل أول زيادة في الإنتاج منذ عامين في عام 2025، وذلك في ظل قرار منظمة الأوپيك وحلفائها بإلغاء التخفيضات الطوعية للدول الأعضاء اعتبارا من نهاية عام 2024. ومن المتوقع أن يزداد إنتاج الكويت بمقدار 135 ألف برميل يوميا، ليصل في المتوسط إلى 2.5 مليون برميل يوميا في عام 2025، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 3.4% مقابل انخفاض نسبته -6.8% في عام 2024، مما سينعكس على نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 3.0% في عام 2025 من -2.4% في عام 2024. وتخضع مؤسسة البترول الكويتية لعملية إعادة هيكلة تهدف إلى تعزيز الكفاءة واتخاذ قرارات أسرع، لكنها تخطط لإنفاق نحو 410 مليارات دولار لتحقيق مستوى الإنتاج المستهدف في عام 2040 البالغ 4 ملايين برميل يوميا، بالإضافة إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2050.
ضبط أوضاع المالية العامة
من جهة ثانية، تطرق تقرير بنك الكويت الوطني إلى ان معالجة مواطن الضعف في المالية العامة تعد من أهم الأهداف الرئيسية للحكومة، إذ تم تسجيل عجز في ثمانية من أصل التسعة أعوام الماضية، ومن المتوقع أن يصل العجز في المتوسط إلى ما نسبته 5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المالية 2024/2025، و2025/2026. وتشمل أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومية حاليا جمود هيكل الإنفاق العام، وبخاصة ارتفاع حصة الرواتب والدعوم، والاعتماد الكبير على العائدات النفطية، التي من المتوقع أن تنخفض في السنة المالية 2025/2026 على خلفية انخفاض أسعار النفط الخام. وتابع التقرير:«نتوقع أن تشهد السنة المالية 2025/2026 جولة جديدة من تقليص الإنفاق العام، بعد خفض النفقات بنسبة 5% هذا العام (مقارنة بالقاعدة المرتفعة للسنة المالية 2023/2024، والتي تضخمت بسبب البنود الاستثنائية)، وذلك رغم احتمال السماح بارتفاع النفقات الرأسمالية من المستويات المنخفضة التي سجلتها مؤخرا، في ظل المساعي الحكومية لتسريع وتيرة مشاريع البنية التحتية المتأخرة (كالإسكان والمياه والطاقة)».
وفي سياق تعزيز الاستدامة المالية، أشار بيان بعثة صندوق النقد الدولي في ختام مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 خلال شهر أكتوبر، إلى ضرورة قيام الحكومة بوضع إطار مالي متوسط الأجل لضبط أوضاع المالية العامة بوتيرة تتراوح بين 1% و2% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا (حتى 950 مليون دينار). وتشمل الخطوات التي أوصى بها الصندوق وضع حدود قصوى للتوظيف في القطاع العام ومراقبة الأجور، وخفض دعوم الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب زيادة الاستثمارات. ومع ذلك، تضع الاحتياطيات المالية والخارجية الوفيرة (تقدر أصول الهيئة العامة للاستثمار بنحو 980 مليار دولار) بما في ذلك مستويات الدين المنخفضة (2.8% من الناتج المحلي الإجمالي) الكويت في وضع ممتاز من حيث القدرة على تحقيق التوازن بين إصلاحات المالية العامة ودعم النمو الاقتصادي - طالما يتم تجنب ضغوط السيولة على المدى القريب. من جهة أخرى، أكدت وكالة فيتش مؤخرا التصنيف الائتماني المرتفع للكويت عند «-AA».
أسعار النفط
وعلى صعيد آخر، ذكر تقرير «الوطني» أن المخاطر الرئيسية التي تهدد آفاق النمو الاقتصادي في الكويت تتمحور حول توقعات أسعار النفط، والتي تتأثر بشكل كبير بقوة الاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى القضايا الجيوسياسية الإقليمية والتقدم المحرز في أجندة الإصلاحات الداخلية للحكومة، ورغم إمكانية انخفاض أسعار النفط أكثر مما كان متوقعا في السابق، وعدم استبعاد تعمق الصراعات الإقليمية (مما قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط) إلا أننا نرى أن إطلاق خطة اقتصادية تركز على الإصلاحات الداخلية، وتنفيذ بنودها، سيكون من أبرز العوامل الداعمة لتعزيز النمو الاقتصادي بوتيرة إيجابية اعتبارا من عام 2025 فصاعدا.
تراجع التضخم وبداية دورة تيسير السياسة النقدية
أشار تقرير «الوطني» إلى أن معدل التضخم سجل ثباتا نسبيا في ظل الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية والملابس، إلا أنه تراجع هامشيا إلى 2.9% على أساس سنوي في أغسطس، مقابل 3.3% في بداية عام 2024. ومن المتوقع أن يتجه التضخم نحو الانخفاض، بدعم من اعتدال وتيرة النمو الاقتصادي، واستمرار أسعار الفائدة المرتفعة، وضعف نمو الأسعار ضمن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، إذ نتوقع أن تتباطأ وتيرة تضخم أسعار المستهلكين من 3.0% هذا العام إلى 2.5% في عام 2025. وفي الوقت ذاته، قام بنك الكويت المركزي في سبتمبر الماضي بخفض سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.0%، بعد تخفيض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وجاء هذا القرار بعد أن رفع بنك الكويت المركزي سعر الفائدة بمعدل أقل من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال دورة التشديد الأخيرة.