توقع تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني أن يعود النمو الاقتصادي إلى المسار الإيجابي خلال عامي 2025-2026 بدعم من توسع القطاع النفطي بعد إلغاء تخفيضات الإنتاج الطوعية التي فرضتها منظمة «أوپيك» وحلفاؤها.
وفي المقابل، يتوقع أن يستقر النمو غير النفطي عند نحو 2.5%، مدفوعا بتسارع وتيرة تنفيذ مبادرات الإصلاح والاستثمار الحكومية، إلى جانب استقرار مستويات الإنفاق الاستهلاكي رغم بقائها دون المستوى المطلوب. وتشير التقديرات إلى أن عجز المالية العامة سيبلغ في المتوسط نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2026، في ظل تراجع الإيرادات النفطية.
ويشكل الانخفاض المستمر لأسعار النفط أحد أبرز التحديات التي تهدد الآفاق المستقبلية، في حين تمثل وتيرة الإصلاحات المتسارعة وارتفاع استثمارات العقارات السكنية فرصا واعدة لتحسن الأداء الاقتصادي.
وأشار تقرير «الوطني» إلى أن التوقعات الاقتصادية لعامي 2025-2026 ما تزال إيجابية، إذ يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3% بحلول عام 2026، بعد فترة من النمو دون المعدلات الاعتيادية، نتيجة لتخفيضات إنتاج النفط التي أقرتها منظمة «أوپيك» وحلفاؤها، هذا إلى جانب تراجع الزخم الاستهلاكي بعد الجائحة.
وفي غضون ذلك تشير التقديرات إلى أن الضغوط الناجمة عن تدهور العلاقات التجارية الدولية وضعف النمو العالمي قد تنتقل عبر قنوات متعددة تشمل إمكانية تراجع أسعار النفط، وتزايد مستويات عدم اليقين، وتراجع احتمالات خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة.
ورغم ارتفاع المخاطر الخارجية التي تهدد الآفاق المستقبلية، فلا يفترض حاليا أن يكون لها تأثير كبير على النشاط غير النفطي، وذلك لعدة أسباب: (أ) استقرار أسعار النفط عند مستوى 70 دولارا للبرميل وفقا للسيناريو الأساسي للتوقعات، (ب) تحفظ توقعات النمو الحالية، (ج) التقديرات التي تشير إلى أن الاتجاهات المحلية ستتأثر بشكل متزايد بالإصلاحات الحكومية ومبادرات الاستثمار، مع ضرورة تسارع وتيرة التنفيذ.
ويتوقع التقرير أن ينمو القطاع النفطي بمعدل سنوي يبلغ 2.4% في المتوسط خلال عامي 2025-2026، بما يتسق مع خطة الكويت لرفع إنتاجها من النفط الخام (بمقدار 135 ألف برميل يوميا ليصل إلى 2.54 مليون برميل يوميا بحلول عام 2026)، وذلك عقب بدء إلغاء التخفيضات الطوعية لإمدادات الأوبك وحلفائها في أبريل 2025.
في المقابل، يتوقع أن يسجل القطاع غير النفطي نموا يصل إلى 2.8% في المتوسط على أساس سنوي، مدفوعا باستقرار الإنفاق الاستهلاكي بعد التراجعات الأخيرة، إلى جانب الانتعاش التدريجي لأنشطة الشركات والمشاريع التنموية.
وتبرز المؤشرات إلى أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، إذ سجل مؤشر مديري المشتريات أفضل قراءة له على الإطلاق خلال الربع الرابع من عام 2024، بينما تسارعت وتيرة نمو الإقراض المصرفي لقطاع الأعمال ليصل إلى أعلى وتيرة منذ أكثر من عامين (+4.9% على أساس سنوي) في فبراير.
كما بلغت قيمة المشاريع المسندة خلال عام 2024 أعلى مستوياتها في سبعة أعوام، عند 2.8 مليار دينار. وما يزال مسار المشاريع الاستراتيجية ضمن رؤية «الكويت 2035» ـ في مجالات الطاقة والمياه والإسكان والنقل ـ قويا للغاية، مما يجعل من تسريع وتيرة التنفيذ أحد أبرز المحفزات الإيجابية التي قد ترفع من سقف التوقعات الاقتصادية.
وذكر تقرير بنك الكويت الوطني أن تنفيذ الحكومة للأجندة التشريعية والإصلاحية يشهد تطورا تدريجيا، مع إحراز تقدم ملحوظ في تطبيق عدد من الاجراءات المهمة خلال الستة أشهر الماضية، من ضمنها إلغاء سقف رسوم الخدمات الحكومية، وفرض ضريبة بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات، إلى جانب وضع خطوات لتحسين كفاءة القطاع العام وتبسيط الأطر التنظيمية للشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن إصدار قانون التمويل والسيولة (الدين العام) المنتظر إقراره منذ فترة طويلة.
كما بات قانون التمويل العقاري، الذي يهدف لمعالجة النقص المزمن في المعروض السكني، في مراحله النهائية تمهيدا لإقراره. ومن المتوقع أن يقدم الإطار الاقتصادي الجديد مجموعة إضافية من التدابير التنموية، بما في ذلك تعزيز مساهمة القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة إنتاجية القوى العاملة.
ويعد التصدي لضعف معدلات الاستثمار، التي بقيت أدنى من مستويات نظراء الكويت من دول مجلس التعاون الخليجي، خطوة ضرورية نحو تحقيق مستهدفات التنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية ضمن إطار رؤية «الكويت 2035»، بما في ذلك إعادة تشكيل هيكل الاقتصاد نحو نموذج أكثر توازنا وأقل اعتمادا على القطاعين الاستهلاكي والنفطي.
من جهة أخرى، اتجه معدل التضخم نحو التراجع (2.4% في مارس)، بعد أن بلغ ذروته عند 4.0% في عام 2022، بدعم من تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار، خاصة في فئتي الأغذية والملابس. ومن المتوقع أن يستقر التضخم عند متوسط يصل إلى نحو 2.5% خلال عامي 2025 و2026.
ويبلغ سعر الفائدة المحلي حاليا 4.0%، ويفترض من الناحية العملية أن يقدم بنك الكويت المركزي على خفض تدريجي لأسعار الفائدة بوتيرة أكثر تدرجا مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي الأميركي، نظرا إلى أن دورة التشديد النقدي في الكويت خلال عامي 2022 و2023 كانت أقل حدة.
ولفت التقرير إلى أن انخفاض أسعار النفط الخام، وتصاعد التوترات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، وتدهور العلاقات التجارية العالمية يعد من أبرز التحديات السلبية التي تهدد الآفاق الاقتصادية. أما على الصعيد الايجابي، فإن إطلاق أجندة حكومية جديدة مدفوعة بقناعة قوية من شأنه أن يعزز آفاق النمو الاقتصادي ويحفز النشاط الاستثماري.
وقد يسهم قانون التمويل العقاري المرتقب، على وجه الخصوص، في تحفيز طفرة في استثمارات العقارات السكنية بمرور الوقت. وبمعزل عن ذلك، فإن تنفيذ خطوات ناجحة لضبط أوضاع المالية العامة قد يساهم في رفع التصنيف الائتماني السيادي للكويت.