الشارقة - هناء السيد
عقد البرلمان العربي للطفل جلسته الثانية ضمن أعمال الدورة البرلمانية الرابعة، في مقر المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، بمشاركة 56 برلمانيا وبرلمانية من الأطفال العرب، يمثلون 14 دولة عربية، وذلك بحضور حليمة العويس نائب رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، وعدد من أعضاء هيئة مكتب المجلس من رؤساء اللجان، حضور محمد اليماحي، رئيس البرلمان العربي.
وجاءت الجلسة التي حملت عنوان «الهوية الثقافية للطفل العربي» لتؤكد التزام البرلمان العربي للطفل بترسيخ الانتماء الثقافي والحضاري في نفوس الأجيال الناشئة، وتعزيز حضور اللغة العربية، والعادات والتقاليد الأصيلة، في ظل ما يشهده العالم من تحديات عابرة للثقافات.
وتم عقد الجلسة برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبدعم من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، في إطار الدعم العربي الموحد لتمكين الطفولة من التعبير الحر وتعزيز مشاركتها في القضايا المجتمعية والإنسانية ضمن أطر مؤسسية وبرلمانية رصينة.
وترأس الجلسة الطفل إلياس المعني من سلطنة عمان رئيس البرلمان العربي للطفل، تأكيدا على نهج البرلمان في تمكين الأطفال من تولي المسؤوليات القيادية داخل الجلسات البرلمانية وصقل مهاراتهم في النقاش والتعبير، وتعزيز روح المبادرة والمشاركة.
بدأت الجلسة بكلمة الأمين العام للبرلمان العربي للطفل أيمن عثمان الباروت، الذي رحب بالحضور، وأكد في كلمته أهمية طرح موضوع الهوية الثقافية في هذه المرحلة الدقيقة من وعي الطفولة العربية، قائلا: إن سؤال الهوية لم يعد رفاهية ثقافية، بل أصبح ضرورة وجودية لحماية الذات من الذوبان في عالم سريع التغير، ونحن نؤمن بأن تنمية هذا الوعي يجب أن تبدأ من الطفولة، كما أراد ذلك صاحب السمو الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، الذي جعل من مشروع الطفل أولوية تنموية منذ أكثر من 5 عقود.
وأضاف الباروت أن البرلمان يمثل اليوم منصة عربية جامعة لتعزيز الهوية وتنمية مهارات الطفل العربي من خلال التدريب والتمكين والمشاركة الفاعلة، مشيرا إلى نجاح «دبلوم إعداد القيادات البرلمانية للأطفال» بالتعاون مع جامعة الشارقة، كأحد النماذج الملهمة في تطوير قدرات المشاركين.
عقب ذلك، ألقى رئيس البرلمان العربي للطفل إلياس المعني كلمته التي عبر فيها عن فخره واعتزازه بانعقاد الجلسة في «شارقة العروبة»، قائلا: «نعلنها من تحت هذه القبة: هويتنا عنواننا، وهي بوصلتنا إلى التقدم من دون أن نفرط في أصالتنا. إننا اليوم نحمل رسالة الأجيال ونقف على أرض التاريخ بثقة، ونمد أيدينا لصناعة المستقبل بثقافتنا ولغتنا وقيمنا.
وشهدت الجلسة تفاعلا لافتا من الأعضاء والعضوات الذين قدموا مداخلات متنوعة تناولت أهمية المحافظة على اللغة العربية، ودور الأسرة والمدرسة والإعلام في حماية الهوية الثقافية، ومواجهة التحديات الرقمية والثقافات الوافدة.
وأكد الأعضاء والعضوات في الجلسة أن الحفاظ على الهوية الثقافية للطفل العربي لا يتحقق إلا من خلال عمل عربي مشترك ومنظم، ينطلق من رؤية جماعية تسعى لحماية اللغة والثقافة والوجدان الجمعي للأجيال القادمة.
وفي هذا الإطار طرحت مجموعة من التوصيات الهادفة، أبرزها: تطوير منصة رقمية عربية مخصصة للأطفال، تقدم محتوى تفاعليا يعزز اللغة العربية ويكرس الهوية الثقافية، إلى جانب الدعوة لاعتماد يوم وطني عربي للهوية الثقافية يتبعه أسبوع سنوي في المدارس والمراكز المجتمعية لترسيخ الانتماء في نفوس النشء.
كما تضمنت التوصيات أهمية دعم إنتاج محتوى إبداعي يتمثل في القصص، والأفلام، والألعاب التي تجسد القيم العربية، وإطلاق جائزة مخصصة للطفولة العربية في مجال الهوية الثقافية، لتكريم المبادرات الفردية والمؤسسية التي تسهم في هذا المجال الحيوي. فـ «الطفل العربي لا يطلب الكثير.. فقط أن يرى نفسه في قصصه، ويسمع صوته بلغته، ويكبر وهو يعتز بما هو عليه»، وقد تطرق المتحدثون الأعضاء أيضا إلى ضرورة ربط الطفل بتراثه من خلال الفنون، والموسيقى، والحكايات الشعبية، والمناسبات القومية، لما لها من دور كبير في تعزيز الإحساس بالانتماء. وطالبوا بإنشاء منصات تعليمية رقمية متخصصة باللغة العربية، تواكب العصر وتغذي الهوية لا تبددها.
ومن بين المداخلات أكد عضو البرلمان سيدي محمد من موريتانيا أن الحفاظ على الهوية الثقافية للطفل العربي ليس ترفا فكريا، بل مسألة وجودية، معتبرا أن الأمم التي تفرط في هوية أطفالها تسهم في دفن تاريخها بأيديها. وأشار إلى تجربة موريتانيا التي لاتزال تحافظ على أدوات التعليم التقليدي كاللوح الخشبي، ليس لعجز تقني، بل لتشبث أصيل بالجذور، داعيا إلى تضمين التراث الأصيل في المناهج الدراسية، وتفعيل دور الإعلام والمسرح لتعزيز الانتماء، وغرس الاعتزاز باللغة والتاريخ في وجدان الطفل العربي، مؤكدا أن اللغة العربية يجب أن تقرن بالفرح والابتكار لا بالمحفوظات الثقيلة والرهبة الامتحانية.
وشدد عضو البرلمان فرج عمر فرج التكو من ليبيا، على أن الهوية ليست شعارا ولا رمزا تراثيا فقط، بل جوهر يصوغ فكر الطفل وسلوكه وشخصيته. ودعا إلى تهيئة بيئة تعليمية وثقافية تغذي وعي الطفل بانتمائه، وتفتح أمامه أبواب الإبداع بلغة عربية وقيم أصيلة. كما أوصى بتطوير محتوى إعلامي عربي معاصر وجاذب، يبرز القصص والتراث والفنون بأسلوب تفاعلي يعمق ارتباط الطفل بهويته ويشجعه على الفخر بها.