أشار تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إلى أن الرسوم الجمركية هيمنت على مشهد الاقتصاد العالمي، وسط استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تبني نهج أكثر مرونة تجاه بكين، في محاولة على ما يبدو لاحتواء الاضطرابات التي سببتها سياساته الجمركية في الأسواق.
وأضاف التقرير أن ترامب أكد إمكانية خفض الرسوم في حال التوصل إلى اتفاق، متجنبا في الوقت ذاته الخوض في قضايا حساسة مثل مصدر فيروس كورونا خلال المفاوضات. وعلى الرغم من هذه الإشارات الإيجابية، نفت الصين وجود مفاوضات جارية، مما زاد من ضبابية المشهد الاقتصادي وأثار حالة من الترقب في الأسواق العالمية. في المقابل، رأت وسائل الإعلام الصينية هذه التصريحات كمؤشر على تراجع ترامب عن موقفه المتشدد.
من جهة أخرى، دعا وزير الخزانة الأميركي هو الآخر إلى تهدئة التوترات، مشددا على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى فصل تام بين الاقتصادين الأميركي والصيني. وانعكس هذا التوجه الإيجابي فورا على أداء الأسواق بفضل تعليقات ترامب، إذ تعافى مؤشر الدولار الأميركي وتجاوز حاجز 99.5، خاصة بعد أن تلقى دعما على خلفية تقدم المحادثات التجارية مع اليابان وكوريا الجنوبية. من جهة أخرى، كان لتخفيف الرئيس ترامب من حدة هجومه على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، دورا في تهدئة قلق المستثمرين.
وعلى الرغم من أن تعليقات بيث هاماك، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، بشأن احتمال خفض أسعار الفائدة في يونيو، أثرت هامشيا على أداء الدولار، إلا أن التفاؤل المتجدد بشأن التجارة ساعد في تعافيه من جديد.
وذكر تقرير البنك الوطني أن مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الصادر عن وكالة ستاندرد اند بورز جلوبال، تراجع دون التوقعات ووصل إلى 51.4، مقابل 54.4 في مارس، مسجلا ثاني أضعف وتيرة نمو خلال عام.
وجاء هذا الانخفاض نتيجة التباطؤ الحاد للطلبات الجديدة، في ظل تزايد القلق بين العملاء حيال الرسوم الجمركية وعدم الاستقرار الاقتصادي، خصوصا من الأسواق الخارجية. كما تباطأت وتيرة التوظيف بسبب ضعف الطلب وصعوبة الحصول على عمالة مؤهلة.
وارتفعت تكاليف المدخلات بشكل كبير، مما دفع الشركات إلى رفع أسعار خدماتها. في ذات الوقت، تراجعت ثقة الشركات بشأن آفاق العام المقبل إلى أدنى مستوياتها منذ أكتوبر 2022، في ظل غموض السياسات الاقتصادية للإدارة الأميركية الجديدة.
وعلى الجانب الآخر، أظهر القطاع التصنيعي أداء أفضل نسبيا، إذ ارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إلى 50.7، مسجلا رابع شهر على التوالي من النمو المتواضع، ومتجاوزا التوقعات. وساهم في هذا الارتفاع تحسن الإنتاج والطلبات المحلية الجديدة هامشيا، إلا ان ضعف طلبات التصدير استمر نتيجة للضغوط الجمركية.
وعلى الرغم من ذلك، سجل القطاع أول خفض للوظائف منذ أكتوبر، وسط الارتفاع الملحوظ لتكاليف المدخلات، مما أدى إلى وصول تضخم الأسعار لأعلى مستوى في 29 شهرا. وانخفضت ثقة المصنعين إلى أدنى مستوياتها منذ أغسطس الماضي، متأثرة بارتفاع التكاليف، ومشاكل سلاسل الإمداد، وضعف الطلب الخارجي.
الأوضاع الاقتصادية بمنطقة اليورو
وفي منطقة اليورو، أشار تقرير البنك الوطني إلى أن مؤشر مديري المشتريات المركب تراجع إلى 50.1 في أبريل 2025، مقابل 50.9 في مارس، مقتربا من الركود للشهر الرابع على التوالي، كما جاء دون توقعات السوق.
وانكمش قطاع الخدمات إلى 49.7 نقطة بعد تعديله من 51.0 نقطة، فيما واصل القطاع التصنيعي انكماشه ليصل إلى 48.7، بارتفاع هامشي من قراءته السابقة البالغة 48.6. ويعزى هذا الضعف المستمر إلى تراجع الطلبات الجديدة، في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية والمخاوف من الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة.
كما توقف نمو التوظيف مع انخفاض حجم الأعمال غير المنجزة، بينما ارتفعت تكاليف المدخلات والضغوط السعرية بوتيرة معتدلة. من جهة أخرى، انخفضت ثقة الأعمال إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عامين، وسط استمرار الغموض بشأن السياسات التجارية.
مبيعات التجزئة البريطانية
وعلى صعيد آخر، أشار التقرير إلى أن مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة ارتفعت بنسبة 0.4% على أساس شهري في مارس 2025، متجاوزة توقعات الأسواق التي أشارت إلى انخفاضها بنسبة 0.3%. وجاءت المتاجر غير الغذائية في الصدارة بتسجيلها نموا بنسبة 1.7%، خاصة في مبيعات الملابس (+3.7%) إلى جانب السلع المرتبطة بالحدائق.
وفي المقابل، تراجعت مبيعات متاجر المواد الغذائية بنسبة 1.3%. وباستثناء مبيعات الوقود، ارتفعت المبيعات بنسبة 0.5%. وعلى أساس سنوي، زادت مبيعات التجزئة بنسبة 2.6%، بينما سجل الربع الأول من العام نموا بنسبة 1.6%، في أقوى أداء ربع سنوي منذ يوليو 2021.
الاقتصاد الصيني
فيما ذكر تقرير «الوطني»، أن الاقتصاد الصيني سجل نموا أقوى من المتوقع في الربع الأول من العام 2025 بنسبة 5.4%، مما ساهم في تخفيف الضغوط على صانعي السياسات لتقديم تدابير فورية للتحفيز النقدي، وذلك على الرغم من استمرار التوقعات التي تشير إلى تطبيق المزيد من السياسات التيسيرية في الأشهر المقبلة في ظل تصاعد المخاطر المرتبطة بالحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
ويواصل صناع القرار تبني نهج حذر، في محاولة لتحقيق توازن بين دعم النمو الاقتصادي والحد من الضغوط على العملة الوطنية «اليوان»، فضلا عن الحفاظ على هوامش ربح البنوك، وهو ما يقيد هامش التحرك المتاح أمامهم.
وكما كان متوقعا، أبقى البنك المركزي الصيني على أسعار الفائدة على القروض لمدة عام وخمسة أعوام دون تغيير عند 3.1% و3.6%، على التوالي. وعلى الرغم من أداء الناتج المحلي القوي في بداية العام، إلا أن المحللين أبدوا حذرهم، مشيرين إلى أن بيانات الصادرات المقبلة قد لا تعكس الأثر الكامل لارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية، خاصة مع إقدام العديد من الشركات على تسريع الشحنات قبل تطبيق تلك الرسوم.
وفي ضوء هذه التحديات، خفضت عدة مؤسسات استثمارية عالمية توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام بأكمله، مشيرة إلى تزايد احتمالات تبني خطوات تحفيزية إضافية لمواجهة التحديات الاقتصادية المتصاعدة.