بيروت ـ ناجي شربل
جمع جبور الدويهي كل الأمكنة في روايته العاشرة الصادرة بالعربية «سم في الهواء» عن «دار الساقي» في 2021، قبل فترة قصيرة من رحيله.
استحضر أمكنة رواياته التسع السابقة، إلى عدد من شخصياتها جامعا إياها في شخصية بطل مسيحي ماروني مؤيد لتروتسكي، وخاض تجربة لم تعمر مع الكفاح المسلح في فلسطين المحتلة، إلى المشاركة في عمليات سرية في الداخل اللبناني.
الشمال وزغرتا تحديدا والصراع التاريخي مع الجوار بشقيه المسيحي والإسلامي، ثم الهجرة الداخلية إلى العاصمة بيروت، والإقامة في وسطها الشعبي القديم قرب شارع ويغان بداية، قبل الانتقال إلى شارع المكحول الذي بات يصنف بعد الحرب في الشطر الغربي من العاصمة. ومن هناك إلى المنطقة الشرقية بـ«تهجير قسري»، ثم شارع أرمينيا المحاذي لمنطقة مار مخايل ـ الصيفي، وبعدها في قرية مطلة على المرفأ يرجح انها عين سعادة مسرح «عين وردة» (إحدى أفضل رواياته)، مكنته لاحقا من رؤية سحب الدخان الناجمة عن انفجار المرفأ في 4 آب 2020.
أمكنة وشخصيات اعتاد الدويهي اسقاطها في أعماله تاركا للقارئ الفسحة الكبرى في رسم تفاصيل المشاهد التي لا يغرق فيها الكاتب عمدا.
في عمله الأخير، استحضر الدويهي ايضا شخصيات، بينها يومياته التي أطل بها على القارئ في عمله الأول «الموت بين الأهل نعاس». واختزل الزمن متنقلا بين بحبوحة لبنان وعتبة الانفجار الكبير في 13 أبريل 1975، وصولا إلى ما بعد الحرب، مستحضرا وقوفه أمام محقق ذكره بـ«إبطال مفعول العفو العام الذي صدر نهاية الحرب الأهلية اذا ارتكب المستفيد منه جرما لاحقا لهذا العفو (...)». وتعمد الدويهي الإشارة إلى ان المحقق «كان يصفي حساباته مع الذين لم تطالهم يد العدالة وهم كثر».
ايقاع سريع وعقد خفيفة تماما. حياة غامرة لابن مصمم الأحذية، وشخصيات غير عابرة، بل يترك وجودها أثرا في الرواية.
حياة صاخبة انتهت ببطل الرواية إلى طلب العزلة والجلوس وحيدا كرضا الباز بطل «عين وردة» المجهول مصيره في نهاية تلك الرواية.
عمل عاشر أخير قبل الرحيل إلى العالم الآخر، ضم مزيجا من بقية الاعمال، مرفقا بأسلوب سردي شيق، يعتمد اليوميات اللبنانية من «روائي الحياة اللبنانية».
النسخ متاحة في المكتبات، حيث الطلب كثيف عليها، مع التذكير ان الدويهي كان سباقا في الخروج من مفهوم النزول إلى السوق في موسم الكتب، معتمدا على اسمه «البييع».
رواية تستحق قراءتها بلغات عدة شأن ما سبق من أعمال للكاتب الذي دخل عالم الوكالات الأدبية من أوسع أبوابه.
الرواية الأخيرة، تستحوذ مع غيرها من أعمال الكاتب الراحل أمكنة خاصة في المكتبات الكبرى التي تعرض أعمال الدويهي كأحد روائيي الحداثة اللبنانيين.
تأخر نشر «النقد» الخاص بالرواية اربعة اعوام، بسبب الانشغال وقتذاك بالاطمئنان إلى الدويهي في أيامه الأخيرة في زغرتا، قبل الانتقال الأخير إلى صيفيته ثم أبديته في اهدن.
وتسير أعمال الكاتب لوحدها، كما قالت ابنته بشرى سابقا لـ«الأنباء». وجديدها انتشار «مطر حزيران» في الأسواق المصرية عن «دار الشروق»، بترتيب مع الدار الأولى التي أصدرتها في بيروت «دار النهار»، قبل ان يمنح الدويهي حقوق طبعها لاحقا إلى «دار الساقي» التي أصدر منها أعماله الاخيرة.