- بعيداً عن التاريخ والسياسة.. وجهة سياحية عالمية ساحرة تنبض بالحياة والفن والثقافة والطبيعة
موسكو (روسيا) - أسامة دياب
في إطار جهودها الرامية إلى تعزيز حضورها السياحي في منطقة الخليج العربي، استضافت لجنة السياحة في موسكو وفدا إعلاميا خليجيا للاطلاع على أبرز الإمكانات السياحية والتاريخية والفعاليات الثقافية والمبادرات الصيفية التي تحتضنها العاصمة الروسية موسكو هذا العام.
«الأنباء» شاركت في الزيارة التي امتدت على مدار خمسة أيام من 2 إلى 6 يونيو، وشملت برنامجا مكثفا أتاح لأعضاء الوفد فرصة استكشاف موسكو كوجهة سياحية عالمية تجمع بين التاريخ العريق والحياة الحضرية العصرية. وتأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية موسكو لتعزيز علاقاتها السياحية والثقافية مع دول الشرق الأوسط، واستقطاب المزيد من الزوار من المنطقة وخصوصا الخليجيين، لاسيما خلال موسم الصيف. انطلقت الجولة بزيارة إلى الكرملين بجدرانه الحمراء وأبراجه الذهبية، التي تشهد على قرون من التاريخ الروسي العريق، حيث أتيحت الفرصة للوفد لاستكشاف الكاتدرائيات العتيقة، والاطلاع على الإرث المعماري والديني الذي يمثل عمق الحضارة الروسية، ووقف أعضاء الوفد مشدوهين أمام الكرملين العريق وكاتدرائية القديس باسيل بألوانها الزاهية وقبابها الفريدة، التي تجسد رمزية العمارة الروسية في القرن السادس عشر. واستمتع الوفد بجولات مميزة في الساحة الحمراء، وحديقة ألكسندر، ومسرح البولشوي العريق بالإضافة إلى تجربة الواقع الافتراضي «الطيران فوق موسكو» في حديقة زارياديه، التي جمعت بين الإبهار التقني والطبيعة الخلابة. وتكتمل اللوحة الفنية على ضفاف نهر موسكو، بجمال طبيعي هادئ يعانق المدينة، حيث تنعكس صور مآذن الكنائس وأبراج المدينة فوق سطح المياه، في لوحة تجسد تناغم الطبيعة والعمران. ومن عبق التاريخ، انتقلت الزيارة إلى وجه آخر من موسكو الحديثة، حيث «مترو موسكو» الشهير، الذي يعد أحد أجمل أنظمة النقل تحت الأرض في العالم، مزدانا بالثريات والجداريات الفنية. من ثم إلى مركز موسكو الدولي للأعمال (موسكو سيتي)، الذي يعكس صورة المدينة العصرية بناطحات سحابها ومراكزها التجارية الراقية. وفي كل محطة، امتزجت الدهشة بالإعجاب، وتجلت موسكو كمدينة تجمع بين عبق التاريخ وإيقاع التطور، لتقدم لزوارها تجربة لا تنسى تتجاوز مجرد السياحة، إلى اكتشاف حقيقي لروح المكان وثرائه الثقافي.
تسعى لجنة السياحة في موسكو إلى توفير بيئة ملائمة للزوار من العالم العربي بصفة عامة، ومن الخليج بصفة خاصة، وتوفير خدمات فندقية راقية تراعي الثقافة الخليجية، ومطاعم حلال وغرف للصلاة في العديد من الوجهات والفنادق والأماكن العامة، كما تحرص على وجود موظفين يتحدثون اللغة العربية في مراكز المعلومات السياحية، بالإضافة إلى تنظيم جولات خاصة إلى المعالم الرئيسية والفعاليات الكبرى.
ويزخر «صيف موسكو 2025» بفعاليات متنوعة أبرزها: مهرجان قصور موسكو: الذي يتيح للزوار رحلة عبر الزمن داخل أكثر من 40 قصرا تاريخيا من تجربة خلابة ومبتكرة.
مهرجان مسرح الشارع: أحد أطول الفعاليات الفنية في الهواء الطلق في أوروبا، يمتد 92 يوما ويجمع بين العروض المسرحية، وورش العمل، والفنون التفاعلية. ويضم أكثر من 600 عرض يقدمه 3.000 فنان محلي ودولي.
مهرجان الحدائق والزهور: الذي يحول الفضاءات الحضرية إلى لوحات فنية حية تنبض بالجمال والاستدامة.
مشروعا «شارع العروض الفلكلورية» و«شارع فن»: يقدمان أنشطة ثقافية مفتوحة تشمل الرقص، والموسيقى، والفن التشكيلي، وورش العمل المجانية.
ومن المعروف أن كرملين موسكو موقع تراث عالمي لليونسكو، هو مجمع محصن من القرن الخامس عشر ويخدم كمقر رسمي لرئيس روسيا والمركز التاريخي لموسكو، ويضم مجموعة من الكاتدرائيات مثل كاتدرائية الصعود الكنيسة الرئيسية لروسيا القيصرية، حيث جرت التتويجات والاحتفالات الكبرى. كاتدرائية رئيس الملائكة هي موقع دفن حكام روسيا. تشتهر كاتدرائية البشارة، التي كانت كنيسة خاصة لأمراء موسكو، بقبابها المذهبة وهيكل الأيقونات الزخرفي.
أما حديقة ألكسندر، فهي إحدى أقدم الحدائق العامة في موسكو، تؤدي مباشرة إلى الساحة الحمراء - رمز روسيا المعترف به عالميا. هنا تقف معالم مثل كاتدرائية القديس باسيل، المتحف التاريخي الحكومي، ومتجر غوم.
كما تجمع حديقة زارياديه بين تصميم المناظر الطبيعية والأماكن الثقافية والابتكار. هنا يمكنك تجربة جاذبية الواقع الافتراضي الفريدة «الطيران فوق موسكو» ومشاهد بانورامية لنهر موسكفا بالقرب من الكرملين.
وبعيدا عن السياحة، تعد مبادرة «صنع في موسكو» مشروعا تنمويا حكوميا يهدف إلى تشجيع المنتجات والخدمات التي يتم إنتاجها في مدينة موسكو ودعم المنتجين المحليين في العاصمة الروسية من خلال تعزيز الابتكار وتحسين القدرة التنافسية للمنتجات، وفتح أسواق جديدة، مما يسهم في تنويع الاقتصاد وزيادة فرص العمل. وتتضمن المبادرة تنظيم معارض محلية ودولية، توفير برامج تدريبية ودعم فني للشركات الناشئة وإنشاء علامات تجارية وأختام جودة «صنع في موسكو» وتسهيل التصدير إلى الأسواق الخارجية.
وسوق «صنع في موسكو»، يعتبر نافذة فريدة على الإبداع المحلي الروسي، ويضم السوق 12 جناحا فنيا مصمما بأشكال رمزية، ويعرض أكثر من 70 ألف منتج من علامات موسكوفية في مجالات متنوعة مثل الأزياء، مستحضرات التجميل، الأغذية، والهدايا التذكارية.
البولشوي.. منصة للإبداع العالمي
مسرح البولشوي في قلب موسكو، أيقونة ثقافية أسهمت في تشكيل الهوية الفنية الروسية على مدار ما يقارب قرنين من الزمان. البولشوي يعني «الكبير» باللغة الروسية، وهو إشارة إلى حجم المسرح وأهمية العروض التي يقدمها. افتتح البولشوي لأول مرة عام 1825 (وإن كانت البدايات الفعلية للفرقة تعود إلى عام 1776).عرضت على خشبته روائع الأوبرا والباليه العالمية، مثل «كسارة البندق» و«بحيرة البجع» و«الأميرة النائمة» لتشايكوفسكي.
يتميز المبنى بواجهة كلاسيكية رائعة على الطراز النيوكلاسيكي، تعلوها عربة أبولو الشهيرة.من الداخل، القاعات مزينة بالزخارف الذهبية والثريات الكريستالية ولوحات السقف المهيبة.«في البولشوي لا تشاهد عرضا فنيا فقط، بل تدخل إلى قلب التاريخ الروسي، حيث ترقص الأرواح قبل الأجساد.»
جرس لم يُدق ومدفع لم يُسمع دويّ طلقاته
في قلب الكرملين، بين أسوار موسكو القديمة، يقف «الجرس القيصري» شامخا كأكبر جرس في العالم، يزن أكثر من 200 طن من البرونز، إلا أنه لم يدق أو يسمع له رنين قط. فقد شاء القدر أن يتشقق قبل أن يعلق في برجه، ليظل صامتا شاهدا على أحلام ضخمة لم تكتمل. وبالقرب من الجرس يقف الزائر للكرملين مشدوها أمام «المدفع القيصري»، الهائل الذي يعد من أضخم المدافع التي صنعت في أوروبا الوسطى، عام 1586 بأمر من القيصر فيودور الأول. مدفع لم يطلق رصاصة واحدة، إذ كان الغرض من صنعه استعراض قوة الإمبراطورية أكثر من خوض الحروب. تحول الجرس والمدفع إلى معلمين سياحيين وتاريخيين يختزلان قصة «الهيبة غير المستخدمة»، والقوة التي بقيت في إطار الرمزية. وكأن موسكو أرادت أن تخبر زائريها أن العظمة لا تقاس دائما بما يدوي أو يطلق، بل أحيانا بما يصمت ويصمد ويدهش العيون عبر القرون.
يفغيني كوزلوف أكد أن المدينة لديها أكثر من 100 مرشد سياحي يتحدثون «العربية»
رئيس لجنة السياحة لـ «الأنباء»: 16.500 سائح كويتي زاروا موسكو عام 2024 والأعداد في ازدياد مستمر
كشف رئيس لجنة السياحة في مدينة موسكو يفغيني كوزلوف عن أن 16.500 سائح كويتي زار العاصمة الروسية موسكو في عام 2024 بزيادة بلغت 2.9% عن عام 2023، متوقعا أن يرتفع أعداد السائحين الكويتيين هذا العام بشكل ملحوظ. وشدد كوزلوف - في لقاء خاص لـ «الأنباء» - على أن موسكو بين أكثر مدن العالم أمانا للسائحين بفضل تطبيقها أنظمة «المدينة الذكية» وشبكة تضم 250 ألف كاميرا مراقبة ونظام متطور للتعرف على الوجوه في الشوارع ووسائل النقل العامة، فضلا عن وجود وحدة متخصصة من شرطة السياحة تضم نحو 200 ضابط مدرب على اللغات الأجنبية والتعامل مع السائحين، تعمل يوميا على مدار الساعة في الشوارع الرئيسية لمساعدة الزوار المحليين والأجانب.. فإلى التفاصيل:
هل توجد مراكز مساعدة سياحية أو خطوط ساخنة مخصصة في موسكو لدعم المسافرين العرب في حال واجهوا أي مشكلة أو طارئ؟
٭ في الحقيقة تقدم مدينة موسكو مجموعة من الخدمات المصممة خصيصا لتعزيز تجربة السائحين الناطقين بالعربية. فقد تم افتتاح خمسة مراكز معلومات سياحية في مواقع استراتيجية تشمل وسط المدينة، محطات النهر، ومدينة الملاهي «جزيرة الأحلام»، حيث يوفر الموظفون الدعم باللغتين الإنجليزية والعربية على مدار الساعة.
كما تم مؤخرا افتتاح مركز جديد للمعلومات السياحية بالتعاون مع «سبيربنك»، يقدم خدمات مالية تشمل إصدار «البطاقة السياحية» والدعم المصرفي للمسافرين.
وفي حالات الطوارئ، تتوافر وحدة متخصصة من شرطة السياحة تضم نحو 200 ضابط مدرب على اللغات الأجنبية والتعامل مع السائحين، تعمل يوميا في الشوارع الرئيسية لمساعدة الزوار المحليين والأجانب.
ما الخدمات الأخرى التي تقدمها المدينة للسائحين الكويتيين بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة؟
٭ تسعى موسكو لتوفير بيئة ترحيبية للسياح العرب والمسلمين، حيث تضم المدينة أكثر من 100 مرشد سياحي معتمد يتحدثون العربية والإنجليزية، ويقدمون جولات مصممة خصيصا.
وقد أطلقت موسكو في عام 2024 «دليل موسكو الصديقة للمسلمين»، الذي يوفر معلومات شاملة حول المرافق والخدمات المتوافقة مع الممارسات الدينية، كما تتوافر أيضا مطاعم بقوائم طعام حلال، وفنادق مجهزة بسجاجيد صلاة ومصاحف، ويقيم معظم الزوار من دول الخليج في فنادق 4 و5 نجوم. كما تقدم القوائم المترجمة للعربية في أكثر من 35 مطعما في المدينة.
كيف تعمل اللجنة على توفير بيئة آمنة للزوار الأجانب، خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي؟
٭ تصنف موسكو كإحدى أكثر المدن أمانا للسياح على مستوى العالم، بفضل نظام «المدينة الذكية» الذي يعتمد على شبكة واسعة تضم أكثر من 250.000 كاميرا مراقبة ونظام متطور للتعرف على الوجوه في الشوارع ووسائل النقل العامة.
وقد أسهمت هذه البنية التحتية الأمنية في انخفاض معدلات الجريمة بنسبة 15% في الأماكن العامة بحلول نهاية عام 2024 مقارنة بالعام السابق، بما في ذلك تراجع واضح في حوادث السطو والسرقات والاعتداءات المسلحة.
ما أهداف تنمية السياحة الرئيسية لموسكو خلال الأعوام المقبلة؟
٭ تركز موسكو على توسيع عروض السياحة الحلال، وتطوير بنية تحتية متقدمة لقطاع فعاليات الأعمال (MICE)، وتعزيز التبادل الثقافي مع الشرق الأوسط، وتحسين الخدمات الرقمية كالتأشيرات الإلكترونية، وتسهيل الوصول عبر توسيع شبكة الرحلات المباشرة. وتسعى المدينة إلى ترسيخ مكانتها كوجهة رائدة للسياحة الترفيهية والتجارية في آن واحد.
كم يبلغ عدد السائحين الكويتيين الذين يزورون موسكو في السنوات الأخيرة بالمقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟
٭ شهدت موسكو ارتفاعا كبيرا في أعداد السياح من الكويت ودول الخليج، ويعود ذلك إلى تحسين الربط الجوي، وتسهيل إجراءات التأشيرة الإلكترونية، والخدمات المخصصة للمسافرين العرب. ففي عام 2024، بلغ عدد السياح الكويتيين 16.500، أي بزيادة بلغت 2.9 مرة مقارنة بعام 2023، فيما بلغ إجمالي الزوار من الشرق الأوسط 337.400، بزيادة نسبتها 1.4 ضعف عن العام السابق. وتخطط موسكو للوصول إلى 52 مليون زائر سنويا بحلول عام 2030.
ما أبرز التجارب السياحية التي تسعى روسيا للتركيز عليها في المستقبل القريب؟
٭ تركز موسكو على السياحة الثقافية التي تشمل المعالم التاريخية والمتاحف والمسارح، بالإضافة إلى السياحة الموسمية بأنشطتها الشتوية والصيفية. كما تطور المدينة قطاع فعاليات الأعمال (MICE)، وتقدم خدمات مخصصة في إطار سياحة الحلال لتلبية متطلبات السياح القادمين من الشرق الأوسط.