ذكر تقرير شركة الوطني للثروات الشهري، الذي يصدر بعنوان «تقارير قيادة الفكر»، أن العديد من المستثمرين يعتقدون أن مفتاح نجاح الاستثمار يكمن في اختيار وقت الدخول إلى السوق عبر اتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظة المناسبة، إلا أن ذلك يعد أمرا بالغ الصعوبة حتى بالنسبة للمحترفين، وينطوي على العديد من المخاطر. لذلك، ينبغي على المستثمرين التركيز على مدة الاستمرار في السوق على المدى الطويل بدلا من محاولة اقتناص الوقت المناسب.
استمرارية الاستثمار
ويرتكز نهج «استمرارية الاستثمار» على الاحتفاظ بالاستثمارات بغض النظر عن تقلبات الأسعار قصيرة الأجل، مستفيدا من مضاعفات العوائد المركبة والاتجاه الصعودي التاريخي للأسواق على المدى الطويل. ويوفر هذا النهج العديد من المزايا لمستثمري المدى الطويل:
1 ـ العوائد المركبة: الاحتفاظ بالاستثمارات وإعادة استثمار توزيعات الأرباح يعززان نمو المحفظة الاستثمارية بشكل ملحوظ. حيث يستفيد المستثمرون على المدى الطويل من مضاعفات العوائد المركبة، التي تتيح للمكاسب أن تنمو وتتراكم بمرور الوقت، متجاوزة بذلك أثر أي تقلبات مؤقتة قد تشهدها الأسواق.
2 ـ الحد من المخاطر على المدى الطويل: على الرغم من التقلبات التي قد تشهدها الأسواق على المدى القصير، إلا أن الأداء التاريخي يظهر اتجاها تصاعديا طويل الأجل تدعمه علاوة المخاطر. فكلما طالت فترة الاستثمار، تراجعت احتمالات تحقيق عوائد سلبية.
3 ـ الحد من تأثير ردات الفعل على القرارات الاستثمارية: الاستثمار طويل الأجل يقلل من احتمالية اتخاذ قرارات عاطفية متسرعة استجابة لتقلبات السوق. ويساعد النهج المنضبط في تجنب ردود الفعل العشوائية مثل البيع بدافع الذعر أثناء التراجعات، أو الاندفاع غير المبرر نحو الشراء في فترات الصعود.
مضاعف العوائد المركبة
ويعد تراكم العوائد المركبة من أبرز المحركات طويلة الأجل لنمو الثروات، فكلما طالت مدة استثمار الأموال، كانت مضاعفات العوائد المركبة المحتملة أكبر.
وقد وصف ألبرت آينشتاين الفائدة المركبة بأنها «الأعجوبة الثامنة في العالم»، قائلا «من يفهمها، يكسبها، ومن لا يفهمها، يدفعها».
ولتوضيح قوة العوائد المركبة والمخاطر المرتبطة بمحاولة اختيار الوقت الأمثل للاستثمار أو التخارج من السوق، من المفيد النظر إلى العائد طويل الأجل لمؤشر مثل «ستاندرد آند بورز 500». فعلى سبيل المثال، كان من الممكن أن تبلغ قيمة 1000 دولار مستثمرة بشكل متواصل في المؤشر قبل 20 عاما حوالي 7320 دولار بنهاية مايو 2025. أما إذا استثنينا أفضل 10 أيام للمؤشر خلال العشرين سنة الماضية من حساب العائد، ستنخفض قيمة الاستثمار حاليا إلى نحو 3257 دولارا فقط. وبناء على ذلك، فإن فقدان المستثمر لأفضل 10 أيام على مدار العقدين الماضيين يعني انخفاض العوائد طويلة الأجل بأكثر من 50%.
اقتناص الوقت المناسب للاستثمار
هناك العديد من التحديات المرتبطة بهذه الاستراتيجية، مما يجعل هذا النهج محفوفا بالمخاطر:
1 ـ صعوبة التنبؤ بتحركات السوق بدقة: من الصعب جدا التنبؤ بتقلبات الأسواق على المدى القصير، نظرا لاعتمادها على عوامل غير متوقعة مثل الأزمات الجيوسياسية، والبيانات الاقتصادية الدورية، وتقلبات توقعات المستثمرين.
2 ـ اتخاذ قرارات انفعالية: يتأثر العديد من المستثمرين بعوامل مثل الخوف والطمع، حيث يميلون إلى الشراء عندما تسود أجواء الاستقرار، والبيع عند ارتفاع مستويات التقلب، وغالبا ما يؤدي هذا السلوك إلى الاتجاه نحو الشراء عند مستويات مرتفعة والبيع عند مستويات منخفضة، مما يضر بقيمة المحفظة، كما أن تفويت عدد محدود من أفضل أيام الأداء في السوق قد يؤدي إلى انخفاض كبير في العوائد طويلة الأجل.
3 ـ تكلفة الفرصة الاستثمارية: البقاء خارج السوق انتظارا لما يعتقد أنه التوقيت «المثالي» للاستثمار يعني التفريط في فرص تحقيق مكاسب ناتجة عن ارتفاع أسعار الأسهم وتوزيعات الأرباح، مما قد ينعكس سلبا على النمو طويل الأجل للمحفظة.
4 ـ زيادة تكاليف التداول والضرائب: يؤدي التداول المتكرر بيعا وشراء إلى زيادة رسوم المعاملات، بالإضافة إلى احتمال التعرض للضرائب على الأرباح الرأسمالية المحققة، وكلاهما يسهم في تقليص صافي العوائد المحققة من الاستثمار.
أدلة تاريخية تدعم نهج البقاء في السوق
أظهرت أسواق الأسهم تاريخيا قدرة قوية على تحقيق عوائد إيجابية على المدى الطويل، رغم التقلبات قصيرة الأجل. فعلى سبيل المثال، خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008، تراجعت الأسواق بنحو 50%، لكنها تمكنت من التعافي وتحقيق مستويات قياسية جديدة خلال بضع سنوات. وبالمثل، بعد الانخفاض الحاد الناتج عن انهيار الأسواق أثناء جائحة «كوفيد-19» في العام 2020، شهدت الأسواق انتعاشا سريعا خلال أشهر قليلة. وتؤكد هذه الأمثلة أن المستثمرين الذين التزموا بالاستثمار طويل الأجل تمكنوا من الاستفادة من فترات التعافي القوي بعد الأزمات.
وعلى الرغم من وصول متوسط الانخفاضات السنوية خلال الفترة إلى نحو 15%، كان معدل العوائد السنوية إيجابيا في 28 سنة من تلك السنوات الأربعين، مما يدعم فرضية أن الاستمرار في الاستثمار ساعد المستثمرين على التعافي من الانخفاضات قصيرة الأجل.
استمرارية الاستثمار وتنويع المخاطرتعد محاولة التنبؤ بتحركات السوق قصيرة الأجل مهمة بالغة الصعوبة. لذلك، يعد النهج الأمثل هو الاستمرار في الاستثمار بشكل منتظم على فترات زمنية محددة، باستخدام إستراتيجية متوسط تكلفة الدولار (Dollar-Cost Averaging)، بغض النظر عن ظروف السوق. هذا الأسلوب يسهم في الحد من مخاطر ضخ مبالغ كبيرة في توقيت غير مناسب، كما يساعد على التخفيف من أثر تقلبات السوق على المحفظة الاستثمارية.
وينصح المستثمرون بالحفاظ على تنويع المحفظة عبر فئات الأصول المختلفة مثل الأسهم، والسندات، والاستثمارات البديلة، بما يحد من التعرض للتقلبات في أي فئة منها. كما تمثل إعادة توازن المحفظة بصفة منتظمة عنصرا أساسيا لضمان استمرار اتساقها مع مستوى تحمل المستثمر للمخاطر وأهدافه المالية طويلة الأجل.
الاعتبارات الرئيسية
على الرغم من أن محاولة تحديد الوقت المناسب للشراء قد يبدو خيارا جذابا فإن التنبؤ الدقيق والمستمر بتحركات الأسعار يعد أمرا بالغ الصعوبة، ويرتبط بمخاطر كبيرة قد تكون ناتجة عن اتخاذ قرارات انفعالية، ومنها:
٭ تعد مضاعفات العوائد المركبة حافزا قويا لتفضيل «البقاء في السوق» على محاولة «توقيت السوق».
٭ تؤكد الأدلة التاريخية بوضوح أن الحفاظ على المراكز الاستثمارية على المدى البعيد غالبا ما يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية.
٭ لا يتطلب نجاح الاستثمار توقيتا مثاليا، بل يعتمد على الصبر، والانضباط، وطول فترة الاستثمار. ومن خلال الاستمرار في الاستثمار، وتطبيق إستراتيجيات منتظمة مثل متوسط تكلفة الدولار، مع تنويع المحفظة وإعادة توازنها بشكل دوري، ترتفع فرص تحقيق نتائج استثمارية مواتية.