بقلم: طارق الوزان ـ موظف سابق في القطاع النفطي
في عالم يتغير بسرعة، تتبدل فيه خرائط الطاقة والممرات البحرية تحت ضغط التوترات الجيوسياسية، لم يعد مقبولا أن تبقى دول الخليج رهينة معبر مائي هش واحد. أكثر من 80% من صادرات النفط تمر عبر مضيق هرمز، ما يجعل اقتصادات المنطقة تحت رحمة الاضطرابات، ولو كانت مؤقتة.
لقد حان وقت التحول من الهشاشة إلى الحصانة، ومن الاعتماد إلى السيادة. ومن هذا المنطلق تبرز رؤية «الدرع الخليجي السيادي»، مشروع استراتيجي غير تقليدي، يقوم على إنشاء شبكة أنابيب برية مزدوجة تنقل النفط، الغاز، المنتجات البتروكيميائية، وحتى المياه، من الخليج إلى بحرين عالميين: البحر الأحمر وخليج عمان، بمنأى عن أي ضغط سياسي أو تعطيل بحري.
هرمز.. فخ الملاحة الخليجية
رغم امتلاك الخليج احتياطيات ضخمة فإن خنقها عبر «عنق زجاجة» جغرافي بات خطرا استراتيجيا حقيقيا. المقارنة العالمية واضحة:
٭ تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 4.2 ملايين كم من الأنابيب الداخلية، تمنحها سيطرة كاملة على تصديرها.
٭ روسيا ورغم العقوبات، واصلت تصدير الغاز شرقا وغربا عبر شبكة أنابيب مديدة.
٭ الصين تحصنت من «فخ ملقا» عبر ممرات بديلة برية تمر عبر ميانمار وآسيا الوسطى.
في المقابل، ما زال الخليج مكشوفا، يعتمد على ممر واحد يمكن تعطيله في دقائق، وتعطيله قد يشل سلاسل الإمداد العالمية.
المشروع: درع بري مزدوج نحو الاستقلال
يتكون المشروع من مسارين:
٭ المسار الشرقي: من الكويت وشرق السعودية إلى سلطنة عمان (الدقم أو صلالة) بطول 1000 كم وتكلفة تقديرية 3 ـ 5 مليارات دولار.
٭ المسار الغربي: من شرق السعودية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، بطول 1500 كم وتكلفة 5 ـ 8 مليارات دولار.
يتجاوز المشروع كونه بنية تحتية إلى كونه جسرا سياديا يربط الخليج بالأسواق العالمية من دون المرور بأي مياه ضيقة أو خاضعة للتوترات، ويمنح للدول حرية في تحديد وجهتها التصديرية، وخفض تكاليف التأمين والمخاطر.
المياه.. جبهة الأمن القادمة
إذا كانت الطاقة هي شريان الاقتصاد، فإن المياه هي مسألة بقاء. تعاني دول الخليج من شح مائي مزمن، وتعتمد بشكل شبه كلي على تحلية مياه الخليج العربي، وهو خيار باهظ بيئيا واقتصاديا.
يوفر المشروع حلا ذكيا: نقل مياه بحر قابلة للتحلية من البحر الأحمر أو خليج عمان، أو حتى نقل المياه المحلاة من هذه السواحل إلى الداخل الخليجي. بذلك، يتم تحسين جودة المياه، وتوزيع مصادرها، وتخفيف الضغط البيئي على الخليج العربي.
كما يشكل هذا التحول دعما غير مباشر للأمن الغذائي، من خلال تأمين المياه اللازمة للمزارع المحمية، والمشاريع الزراعية الذكية التي تتوسع خليجيا.
رؤية سيادية لا أنابيب فقط
ما يميز مشروع «الدرع الخليجي السيادي» أنه ليس فقط مشروع أنابيب، بل منصة للتكامل والتنسيق:
٭ درع جيوسياسي يكرس الاستقلال ويمنع الابتزاز البحري.
٭ رؤية تكاملية بين ملفي الطاقة والمياه.
٭ محفز للتكامل الصناعي على طول المسارين عبر مناطق صناعية، موانئ، ومرافئ جديدة.
٭ قاعدة للتوسع الإقليمي نحو العراق والأردن ومصر في مرحلة لاحقة.
خطة التنفيذ: من الحلم إلى الواقع
لضمان نجاح المشروع، تقترح الخطة الخطوات التالية:
1 ـ تأسيس كونسورتيوم خليجي مشترك يضم الحكومات وشركات الطاقة والمياه والصناديق السيادية.
2 ـ توقيع اتفاقيات عبور مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية.
3 ـ تكليف بيت خبرة دولي محايد بالدراسات الفنية والمالية والهندسية.
4 ـ دمج المشروع ضمن الرؤى الوطنية مثل رؤية «السعودية 2030»، «الكويت 2035»، و«عمان 2040».
5 ـ تنفيذ المسارين بالتوازي لتوزيع المخاطر وضمان التكامل.
الخليج لا يحاصر.. بل يقود مصيره
الهدف ليس فقط تجاوز مضيق هرمز، بل بناء قدرة ذاتية مستدامة تحمي الثروة وتحرر القرار. إنه مشروع يعكس وعيا استراتيجيا جماعيا، ينقل الخليج من رد الفعل إلى القيادة، ومن التهديد إلى التصميم.
قد يشكل «الدرع الخليجي السيادي» في المستقبل أساسا لمشروع تكاملي أكبر، يربط بين الصناعة، الطاقة، المياه، الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، ويمنح الخليج حصانة حقيقية لعقود قادمة.