بيروت ـ داود رمال
يتقدم الاستحقاق النيابي في لبنان على رزنامة الأحداث السياسية كأحد أهم الاختبارات المقبلة للدولة اللبنانية ومؤسساتها، لكنه في الوقت عينه يواجه عاصفة من الشكوك والمخاوف من أن يتحول من موعد دستوري مفصلي إلى محطة خلافية قد تؤدي إلى تطييره أو ترحيله إلى أجل غير مسمى.
وعلى رغم إصرار القوى السياسية في خطاباتها على الالتزام بإجرائه في موعده، فإن الاشتباك المستمر حول قانون الانتخاب يكشف أن الطريق لايزال مليئا بالعوائق، وأن الضمانات الكلامية قد لا تكون كافية لتبديد المخاوف.
وقال مرجع نيابي لـ «الأنباء»: «جوهر الأزمة يتمثل في الخلاف حول التعديلات المقترحة على القانون النافذ، إذ إن الثنائي الشيعي ومعه التيار الوطني الحر يتمسكان بإبقاء الانتخابات وفقا للصيغة الحالية مع استحداث ستة مقاعد مخصصة للمغتربين، على أن توزع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، مع إلزام الراغبين في التصويت لبقية النواب بالقدوم إلى لبنان. في المقابل، تطرح كتل أخرى إلغاء المادة 112 بما يسمح للمنتشرين بالاقتراع حيث يقيمون ولكل مقاعد البرلمان. هذا التباين العميق يعكس حسابات سياسية وانتخابية لا يستهان بها، ويصعب إمكانية الوصول إلى صيغة توافقية في المدى المنظور، خصوصا أن اللجنة النيابية المعنية لم تحقق أي تقدم ملموس حتى الآن».
وأضاف المرجع «يزداد المشهد تعقيدا مع دخول حسابات الوقت والمهل الدستورية والإدارية، فالحكومة تؤكد أنها باشرت بالتحضير اللوجستي للانتخابات، ووزارة الداخلية فتحت الباب أمام المغتربين لتسجيل أسمائهم ضمن مهلة تنتهي 20 نوفمبر المقبل. غير أن هؤلاء لا يعرفون بعد على أي أساس سيصوتون: هل للمقاعد الستة المستحدثة، أم للـ 128 نائبا، كل ضمن دائرته؟ هذا الغموض يجعل التحضيرات عرضة للتعطيل».
وأوضح المصدر انه «في المقابل، ثمة إصرار واضح من رئاسة الجمهورية على أن الانتخابات تشكل محطة لابد منها لإعادة تكوين السلطة، وأن أي تأجيل سيكون بمثابة انتكاسة سياسية وعبء إضافي على العهد، فضلا عن أنه سيواجه معارضة المجتمع الدولي الذي ينظر إلى الاستحقاق كممر إلزامي لتجديد الحياة السياسية في لبنان وإعادة الثقة إلى مؤسساته. هذا الموقف يتناقض مع رغبة قوى سياسية لا تخفي رهانها على شراء الوقت، وإلقاء مسؤولية التعطيل على الخلاف حول القانون، بما يفتح الباب أمام تمديد ولاية المجلس الحالي تحت عنوان الأمر الواقع».
وأشار المرجع إلى أنه «بين هذين المسارين يتضح أن السيناريوهات المحتملة لاتزال مفتوحة، فإما أن ينجح الضغط الداخلي والدولي في دفع الكتل إلى التنازل المتبادل والتوصل إلى تسوية حول القانون بما يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها، وإما أن يستمر الجمود، ما يؤدي عمليا إلى تطيير الاستحقاق. لكن في حال وقع التأجيل لن يكون بلا ثمن، إذ سيفقد لبنان ما تبقى من رصيد ثقة خارجية، وسيعمق أزمته السياسية والدستورية، في وقت يحتاج فيه إلى جرعة استقرار داخلي ورسائل طمأنة إلى المجتمع الدولي».
وعليه، فإن مصير الانتخابات النيابية في لبنان يتوقف على قدرة القوى السياسية على كسر حلقة المراوحة وتغليب منطق المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية والفئوية. فالوقت يضيق، وأي تلكؤ إضافي قد يجعل التأجيل أمرا واقعا، ما يضع البلاد أمام أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة أزماتها المفتوحة.