تصيب الإنسان في ليله ونهاره وساوس كثيرة، وتخيلات عديدة، يستغرب من بعضها ويستنكر الأخرى، ما الذي يجعل خيالات الشخص تشرق وتغرب به، وما الذي يجعله لا يهنأ له بال، ولا يستقر له قرار، لماذا الأفكار السوداوية تأتينا، ولماذا الأحلام المزعجة تزورنا، فتقض علينا مضجعنا، وتنغص علينا معيشتنا؟
***
الشيطان الرجيم، هو البلاء والاختبار الذي على رؤوس العباد، فالشيطان يعد الإنسان بالويل والثبور، والمستقبل السيئ، ويذكره بالماضي الأليم، ويشقيه بلحظاته المفرحة الآنية، فيحول الأفراح إلى أحزان، والآمال لآلام، ويزيد من تعاسة بني آدم، فيفرح إذا أقض مضجعه، فيسهره بالليل فلا ينام، ويتعسه بالنهار فلا يستقر له قرار، يفسد معايش الناس، فيطلق هذا من زوجته، ويبعد هذا عن صديقه، ويدخل آخر في خسارة مالية ويجعل الابن يعق والديه فلا يفلح، ويجعل المدير يظلم موظفيه فلا ينجح، ويجعل الغني يمتنع عن إعطاء الفقير فلا يوفق.
***
يقول تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم).
٭ يقول عبدالله بن مسعود: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله.
***
الشيطان هو الموكل بإفساد البلاد والعباد، فلا هو يكل فنرتاح منه، ولا هو يمل فيريح الناس من شره.
***
الشيطان يأتي للعابد في محرابه فيجعله ينحرف، ويأتي للشاكر في حمده فيجعله يكفر النعم، ويأتي للغني في ماله فيجعله جشعا بخيلا، ويأتي للبار بوالديه فيجعله عاقا جلفا.
***
الحديث عن الشيطان، يجعلك تضطرب، وترتعد فرائصك، فمن تتحدث عنه يراك، ومن تكتب عنه يسمعك، يقول تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون).
٭عن مجاهد: الجن والشياطين.
***
الشيطان أعلم منا، وأخبر منا، وقد كان أعبد منا، ولكن انحرف وعصى واستكبر وقارن بين خلقه وخلق الإنسان، فأرجحت موازينه المغلوطة تفوقه على آدم فقال: (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، ثم لما طرد من رحمة الله ورضوانه، طلب أن يمهل لا ليتوب ولكن ليذيق بني آدم مرارة الطرد من رحمة الله ورضوانه، فقال: (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم)، وقال تعالى في سورة الأعراف: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين).
٭عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم)، قال: أما بين «أيديهم»، فمن قبلهم، وأما «من خلفهم»، فأمر آخرتهم، وأما «عن أيمانهم»، فمن قبل حسناتهم، وأما «عن شمائلهم»، فمن قبل سيئاتهم.
***
الشيطان يتوعد بني آدم، بما يملكه من أدوات ووسائل، وما يملكه من خبرات ومعارف، فبنو البشر قدراتهم وإمكانياتهم محدودة، ولولا لطف الله عز وجل لحاد بنا الطريق، ولولا رحمته بنا لتخطفتنا الأمواج، لذلك علينا أن نتمسك بالدعاء والرجاء والطلب من الله عز وجل أن نكون على الملة وألا نحيد عن الجادة يقول تعالى بالذي نجا ودخل الجنة: (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين).
٭ يقول ابن كثير: أي ولولا فضل الله علي لكنت مثلك في سواء الجحيم حيث أنت، محضر معك في العذاب، ولكنه تفضل (علي) ورحمني فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيده.
***
حينما تعلم ستعرف، وحينما تعرف يجب أن تعلم أن الشيطان مع قوته ضعيف، ومع علمه جاهل، ومع سطوته فهو تحت سلطان الله عز وجل، يقول تعالى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون).
٭ يقول مجاهد: يطيعونه.
asfor83@gmail.com