قبل أيام قليلة فرح الشعب الكويتي باليوم الوطني كل على طريقته.. فالبعض أراد أن يشارك فرحته مع الجموع بالشوارع والمجمعات أو الأماكن المخصصة لهم، والبعض حصر نطاق احتفاله بمحيط عائلته، وآخرون يرون أن حب الوطن لا يستدعي القيام بإظهار الفرح والسرور والانتماء بأيام محددة في السنة، فالحب موجود والولاء مثبت والانتماء يظهر عند الشدائد.
للأسف البعض اعتاد أن يكون من مظاهر هذا الاحتفال والفرح عندهم، رمي بالونات مليئة بالماء على المارة أو السيارات تعبيرا عن السرور والبهجة بالأعياد الوطنية وتطور الأمر فأصبح البعض يضع بها من ماء البحر أو «النير» وهي مادة تسقط وتذيب الشعر بل ووصل ببعضهم الأمر لأن يرمي الحجارة فتسبب تهشيم وتكسير زجاج السيارات، وإلحاق الضرر بممتلكات الناس الخاصة ومرافق الدولة العامة.
من ناحية أخرى، بعض مظاهر الصرف الزائد والبذخ الكبير والتنافس الشديد بين أبناء المجتمع وحتى بعض الجهات الحكومية في محاولة لإظهار حب الوطن على شكل مادي محسوس، أدخل الكثيرين في حرج قد لا يستطيعون مقاومته أو الفكاك منه مستقبلا.
خطورة الأمر.. أن بعض هذه المظاهر والاحتفالات تتعاظم وتزداد مع مرور الأيام، فالنفس البشرية لا تقتنع بما سبق وفعلته، فكل سنة ترغب بالمزيد وكل احتفالية حصلت يريدون الأفضل منها بالسنة التي تليها، هكذا هي النفس البشرية وهكذا هو الإنسان بطبعه، متطلب لا يشبع وملول لا يريد التكرار.
ويختلف أبناء الشعب الكويتي بين مؤيد ومعارض لمظاهر هذا الاحتفال، بين ما يفترض أن يكون وما لا يكون، وبين ما ينبغي وما لا ينبغي، وبين هل هذه المظاهر حضارية أم لا، ومن هو المخول أو المسموح له بأن يقرر أو ينظر.
نعم من هو المخول له بأن ينظر ويقرر ويفصل بين الفريقين؟.. سؤال يحتاج منا إلى الكثير من التأني وإمعان النظر قبل الإجابة عليه.
يقول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).
فأمرنا سبحانه وتعالى بعدم الاسراف بضروريات الحياة من مأكل ومشرب، فما بالك بما هو دون ذلك.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار.
في الوضوء والغسل للصلاة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف فيه، وقال حتى لو كنت على نهر جار. فكيف بمن يسرف من ماء معالج قد تعبت الدولة في تصفيته وتنقيته وإيصاله للناس.
ويقول مونتسكيو «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين».
نعم الحرية المطلقة قيد مطلق لآخرين، أعرف الكثيرين ممن حرموا من الخروج بهذه الأيام مخافة أن تنتهك خصوصياتهم ويعتدى على ممتلكاتهم.. فالتعدي على الحريات لا يقتصر على أماكن محددة ومناطق مخصصة بل بكل مكان.
أين الإجابة؟ أحيانا لا يرغب البعض بإجابة قاطعة وانحياز كامل مع طرف دون آخر.. فالبعض قد يفعل ما يفعل.. ويقوم بما يقوم به عن حسن نية وطيب قصد.. ويحتفل ولكن يعرف حدوده ولا يوقع ضررا بالآخرين.. فلماذا نحرم هؤلاء من الفرح والسرور.
وحسنا جاءت قرارات الداخلية والبيئة والتجارة بالتصدي لأي مظاهر سلبية ومنع بيع «البالونات» ومسدسات الماء، ومتابعة أي مظاهر سلبية لتكون احتفالاتنا بأبهى صورة.
asfor83@gmail.com