بيروت ـ بولين فاضل
وسط تواتر الكلام عن زيارة وفد وزاري وأمني سوري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى لبنان نهاية الشهر الجاري لبحث الملفات الاقتصادية والأمنية وفي طليعتها موضوع النازحين السوريين في لبنان، لا يبدو حتى الآن أن رفع العقوبات الأميركية عن سورية وبدء الحديث عن إعادة إعمارها قد أحدثا فرقا كبيرا في لبنان، لناحية حزم النازحين السوريين أمتعتهم والعودة إلى ديارهم بعد 14 سنة على اندلاع الحرب في سورية.
وفي نظرة إلى محافظة بعلبك ـ الهرمل تحديدا، يتبين أن البلدة الوحيدة التي شهدت عودة لافتة جدا للسوريين هي عرسال، التي تخطى فيها عدد الذين عادوا إلى سورية نسبة 70%.
أما في بقية بلدات المحافظة، فحركة العودة لاتزال خجولة جدا، إذ إن قسما كبيرا من النازحين السوريين فيها هم من الذين وفدوا في الأشهر الستة الماضية بعد سقوط النظام السوري.
وفي معلومات خاصة لـ «الأنباء»، أن آخر قوافل العودة التي نظمها الأمن العام اللبناني قبل أسبوع على صعيد كل محافظات لبنان، حملت على متنها 107 نازحين، فيما كان الرقم المتوقع هو 300، علما أن بعضا من شهود العيان يتحدث عن عودة نازحين سوريين إلى بلادهم بنسبة أكبر عبر معابر غير شرعية.
وعن السبب وراء هذه العودة الخجولة، قال مصدر بقاعي لـ «الأنباء» إنه «عائد إلى كون الأغلبية الساحقة من السوريين بات لديها أعمالها ومصالحها في لبنان وتملك مؤسسات تجارية ولو بطريقة غير شرعية»، مضيفا إن «على الدولة اللبنانية التشدد في تطبيق قانون العمل لممارسة نوع من الضغط غير المباشر على النازحين، لأن السوري الذي يملك متجرا للخضار أو اللحوم أو الثياب والذي استثمره من شخص لبناني، إنما يكسب مدخولا جيدا جدا ولا يشعر تاليا بالحاجة أو الضرورة للعودة إلى بلاده، بينما إقفال محله من قبل الأجهزة الأمنية المعنية تطبيقا للقانون ومنعه بالتالي من مزاولة عمله، سيجعلان خياراته ضيقة في لبنان، فيضطر حينها للبحث عن خيارات أخرى الأرجح أنها ستكون في سورية».
وعن خطوة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقف التغطية الصحية للاجئين السوريين في لبنان بدءا من نوفمبر المقبل ومساهمة خطوة كهذه في الدفع باتجاه العودة، قال المصدر «التمويل من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية تراجع كثيرا، لكن بعض الخدمات لاتزال قائمة»، مضيفا إن «السؤال الكبير يتعلق بما إذا كانت منظمة اليونيسف ستمول السنة المقبلة تعليم الطلاب السوريين في لبنان».
وإذا كان البعض في لبنان يؤيد العودة الطوعية للنازحين السوريين، فإن ثمة من يطالب بترحيلهم. وبحسب معلومات «الأنباء»، فإن أي خطة وطنية أو حتى مشروع خطة رسمية لم يتم وضعه بعد من قبل الحكومة لإعادة النازحين. وفي رأي البعض ليس المطلوب تجميع السوريين في قافلات ووضعهم على الحدود اللبنانية ـ السورية، لأن خطوة كهذه قد لا تعرف عقباها، وإنما تحضير الأرضية الكفيلة بدفعهم إلى خيار العودة، الأمر الذي من شأنه جعل العدد ينحسر إلى حد كبير ويسهل بعد ذلك عملية الترحيل.
ويجمع المطلعون على ملف النزوح على أن الأكثرية الساحقة من النازحين السوريين لا تواجه عقبات أمنية أو غير أمنية تحول دون عودتها، لأن من كان يخشى العودة خوفا من النظام السوري، سقط عذره مع سقوط النظام. كما أن الخشية من الخدمة العسكرية في سورية انتفت مع إلغاء هذه الخدمة، ما يعني أن أسباب البقاء في لبنان هي أسباب محض اقتصادية. وحتى لو انتفت هذه الأسباب، سيظل هناك جيل نشأ وشب في لبنان ولا يعرف سورية، في موازاة من يفضل عدم التأسيس لحياة جديدة ومصدر عيش جديد في سورية، طالما لبنان هو واحة رزق، وما يتوافر فيه ليس متوافرا بعد في سورية.