يكتم الشرق الأوسط أنفاسه على وقع الحرب بين إسرائيل وإيران، بينما تسابق المساعي الدولية والإقليمية الزمن من أجل احتواء هذه المواجهة العسكرية غير المسبوقة، والحيلولة دون انزلاق المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار.
وألقت الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية المحتدمة، التي دخلت يومها الثالث، بتداعياتها سياسيا على المنطقة، حيث وضعت مستقبل المحادثات الإيرانية ـ الأميركية في مهب التأجيل «حتى إشعار آخر» على أقل تقدير، إذ كان من المقرر عقد الجولة السادسة منها في سلطنة عمان اليوم.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا في ظل استمرار وحشية إسرائيل «أمر غير مبرر».
بدورها، أكدت الخارجية الإيرانية ـ على لسان المتحدث الرسمي باسمها إسماعيل بقائي ـ انه «لا معنى» في مثل هذه الظروف للمشاركة في محادثات من هذا النوع.
وفي إطار تداعيات الحرب أيضا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تأجيل المؤتمر الدولي بشأن «حل الدولتين» الذي كان مقررا عقده في يوليو المقبل.
وفي ثاني أيام الحرب، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرئيل كاتس إن النظام الإيراني «تجاوز الخطوط الحمر» بإطلاق النار الموجه نحو «الجبهة الداخلية» في الكيان.
وأضاف أن «طهران ستدفع ثمنا باهظا»، متوعدا «بإحراقها» إذا ما تواصلت الهجمات الصاروخية.
على صعيد الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، شن سلاح الجو الإسرائيلي أمس المزيد من الهجمات التي استهدفت مواقع ومنشآت إيرانية بمختلف أنحاء البلاد.
وقال المتحدث باسم جيش الإسرائيلي إيفي دفرين في كلمة متلفزة أمس ان «إيران لم تعد محصنة وسنصل إلى كل مكان فيها»، مؤكدا في هذا السياق استهداف منشآت نووية في نطنز وأصفهان وفوردو.
وأكد أن الحملة العسكرية المتواصلة منذ يوم الجمعة الماضي سمحت لسلاح الجو الاسرائيلي بتحقيق «حرية الحركة في الأجواء» من غرب إيران وصولا إلى العاصمة طهران، مدللا على ذلك بشن 70 طائرة حربية ضربات خلال ليل أمس الأول.
وقال دفرين «أقمنا منطقة نحظى فيها بحرية الحركة في الأجواء من غرب إيران وصولا إلى طهران».
وأشار إلى أن هذه المرة الأولى التي تعمل فيها طائرات إسرائيلية في «هذا المجال الجوي بالتحديد»، موضحا أنها تتحرك الآن «بحرية فوق طهران».
وأضاف «هذه أيضا أعمق عملية اختراق نقوم بها داخل الأراضي الإيرانية»، مؤكدا أن «الوصول إلى طهران يحمل دلالات استراتيجية وعملياتية كبيرة».
وأشار المتحدث الاسرائيلي إلى أن الضربات الجوية أسفرت عن مقتل أكثر من 20 قائدا عسكريا إيرانيا، كما أكد أن هذه الضربات أسفرت عن مقتل تسعة من كبار العلماء والخبراء النوويين الإيرانيين رفيعي المستوى كانوا يطورون برنامج الأسلحة النووية لطهران.
وكشف دفرين عن إصابة سبعة جنود بجروح جراء سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب، مشيرا الى مقتل امرأة واصابة العشرات نتيجة الهجمات الصاروخية الايرانية.
الرد الإيراني يتواصل
في المقابل، أطلقت إيران دفعة جديدة من الصواريخ الباليستية باتجاه اسرائيل، حيث دوت صفارات الإنذار بمختلف المناطق في الاخيرة.
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أنه تم إطلاق «دفعة جديدة من الهجمات الصاروخية انطلاقا من العاصمة طهران وكرمنشاه غربي إيران».
وقال الجيش الإسرائيلي إن موجة جديدة من الصواريخ أطلقت من إيران هي الخامسة منذ بدء الرد الايراني على الهجمات الاسرائيلية، مؤكدا العمل على اعتراضها.
وقد شملت المناطق التي تم اعتراض صواريخ في أجوائها أو وصلت إلى أهدافها كلا من: الجليل وتل أبيب وبئر السبع، بينما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن موجة الصواريخ الإيرانية هذه تعد الأكبر وأسفرت عن وقوع أضرار كبيرة في أربعة مبان بجنوب تل أبيب.
من جانبه، قال الجيش الإيراني في بيان إن مضاداته الجوية أسقطت مقاتلة إسرائيلية من طراز «إف 35» غربي البلاد، وهي ثالث مقاتلة من نوعها تسقطها طهران منذ بدء الهجوم عليها، بالإضافة إلى عدد غير محدد من المسيرات الاسرائيلية.
وكانت إيران أعلنت سابقا عن إسقاط مقاتلتين اسرائيليتين من طراز «إف 35» وأسر قائدة إحدى هاتين الطائرتين.
وفي سياق غير بعيد، أكدت طهران أن أضرارا محدودة لحقت ببعض المناطق في منشأة تخصيب اليورانيوم في «فوردو» التي تعرضت للاستهداف، مؤكدة عدم حدوث أي تلوث جراء ذلك.
ونقلت وكالة «فارس» للأنباء عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية بهروز كمالوندي القول «لحقت أضرار محدودة ببعض المناطق في موقع تخصيب اليورانيوم في فوردو».
وكانت إسرائيل قد أشعلت فتيل الحرب بشنها هجوما واسعا إيران فجر الجمعة الفائت على إيران، في عملية اسمتها «الأسد الصاعد» ووصفتها بأنها من «أكبر العمليات العسكرية في التاريخ»، فيما جاء الرد الإيراني بعيد ساعات قلائل من ذلك، عبر موجات من الهجمات الصاروخية القوية وكبيرة ضمن ما أطلقت على طهران عملية «الوعد الصادق 3»، متوعدة إسرائيل بـ «الجحيم».
وأتت هذه الضربات والهجمات المتبادلة قبل يومين من الموعد المعلن لجولة جديدة من المباحثات بين واشنطن وطهران، الهادفة إلى التوصل لاتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اعلانه عن الهجوم «نحن في خضم إحدى أكبر العمليات العسكرية في التاريخ، عملية الأسد الصاعد»، مؤكدا ان الهجوم الإسرائيلي «سيستمر ما يلزم من أيام».
وقال نتنياهو في كلمة مصورة بعد قصف إسرائيل أكثر من مئتي موقع عسكري ونووي في إيران «حان الوقت لكي يتوحد الشعب الإيراني حول علمه وإرثه التاريخي، بالانتفاض من أجل تحرركم من النظام القمعي والشرير».
واستهدفت اسرائيل في «الضربات الافتتاحية» من هجومها غير مسبوق على إيران، حوالي 200 موقع عسكري ونووي. وطالت الضربات الإسرائيلية منشآت نووية ومطارات ومواقع وقواعد عسكرية إيرانية من أهمها: منشأتي نطنز وأصفهان وفوردو، كما أدت إلى اغتيال قادة ومسؤولين عسكريين كبار من بينهم: رئيس الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس أركان الجيش محمد باقري ونائبان له وأحد مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، بالإضافة إلى علماء وخبراء نوويين.
وقتل عنصران من قوات «الباسيج» التابعة للحرس الثوري أمس في غارة إسرائيلية على قاعدة في وسط إيران، حسبما ذكرت وكالة «تسنيم» للأنباء.
من جانبها، ردت طهران بهجمات صاروخية وبإطلاق طائرات مسيرة على إسرائيل، ما أدى إلى اصابة العشرات بينهم سبعة عسكريين، وأحدث أضرارا في عدد من المدن الاسرائيلية بينها تل أبيب. واستهدفت الهجمات الإيرانية مواقع حيوية داخل إسرائيل، أبرزها: مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، ومطار بن غوريون، ومناطق في القدس المحتلة، وإحدى المستوطنات.
جاء ذلك بعد قليل من تأكيد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي أن بلاده ستتحرك «بقوة» ضد اسرائيل وستجعلها تندم.
وقال خامنئي في كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب الإيراني وبثها التلفزيون الرسمي مساء أمس الاول «قواتنا المسلحة ستترك إسرائيل عاجزة»، مشددا على أنها «لن تنجو من عمليتها» ضد إيران.
وعين خامنئي قادة جددا للحرس الثوري وسلاح الجوفضائي فيه ورئاسة الأركان، كما عين قائدا جديدا للجيش.
وأعلن الحرس الثوري شن اول موجة ضربات صاروخية على عشرات الأهداف في إسرائيل، في عملية أطلق عليها اسم «الوعد الصادق 3».
وقال في بيان «نفذ حرس الثورة الإسلامية رده الحازم والدقيق ضد عشرات الأهداف والمراكز العسكرية والقواعد الجوية للنظام الصهيوني الغاصب في الأراضي المحتلة».
وتوعد قائد قوات الحرس الثوري الجديد اللواء محمد باكبور بأنه «ستفتح قريبا أبواب الجحيم أمام كيان الاحتلال».
وأعلنت طهران مقتل ما لا يقل عن 78 شخصا من مواطنيها وإصابة اكثر من 320 آخرين بجروح نتيجة من الضربات الاسرائيلية، مؤكدة أن غالبيتهم مدنيون.
فرصة قبل فوات الأوان
من جانبها، اعلنت الولايات المتحدة أنها لم تشارك في الضربة الإسرائيلية على ايران، وشدد الرئيس دونالد ترامب على حرصه على الحل الديبلوماسي مع طهران، داعيا إياها إلى التوصل لاتفاق مع واشنطن «قبل فوات الآوان».
وقال الرئيس الاميركي: قبل شهرين منحت إيران مهلة 60 يوما للتوصل إلى اتفاق وكان عليهم إبرام الصفقة.
وأضاف على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي «تروث سوشال»: أخبرتهم بما يجب عليهم فعله لكنهم لم يتمكنوا من ذلك ولديهم الآن فرصة ثانية.
ونقلت «فوكس نيوز» عن ترامب قوله انه لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية ونأمل في العودة إلى طاولة المفاوضات.
وحض الرئيس الأميركي إيران على «إبرام اتفاق قبل ألا يبقى هناك شيء»، محذرا أن «الضربات المقبلة ستكون أكثر عنفا».