نحن بين يدي سورة الحديد، هذه السورة التي افتتحها الله عز وجل بتنزيه نفسه، وسبحان الله إذا نظرنا في القرآن رأينا عقدا يأخذ بعضه ببعض، ففي سورة الواقعة ذكر الله عز وجل قبائح قول الكافرين ثم أمر نبيه بتنزيهه، فقال عز وجل في ختام سورة الواقعة: (فسبح ربك العظيم)، وابتدأ سورة الحديد أيضا بتسبيح نفسه (سبح لله ما في السموات والأرض)، فالتسبيح فيه أمران، الأول تنزيهه عن كل نقص وعيب، والثاني تنزيهه عن مماثلة خلقه، فإن الله كما قلنا: سميع، لكن ليس كسمع خلقه، ليس كمثله شيء، والله أعطى الإنسان البصر ووصف نفسه فقال بصير، ولكن ليس كإبصار البشر، لذلك (سبح لله) في هذه الآيات الست في مفتتح سورة الحديد تبين عظمة ذاته وكمال صفاته وجليل قدرته وعظيم خلقه في هذا الكون.
أنت مستخلف في مالك
ثم التفتت السورة في الخطاب إلى أهل الإيمان، فقال عز وجل: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، أمر للناس جميعا بالإيمان به وبالرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل، هذا لكل البشر، وعلى أهل الإيمان خاصة الحث على الثبات على هذا الإيمان، والحث على مظهر من مظاهر الإيمان وهو الإنفاق في سبيل الله، فقال عز وجل (وأنفقوا) فعل الأمر، والعجيب ان الله عز وجل ما قال أموالكم ولكن جاء بصفة للإنسان وحادث من حوادث دهره أنه يموت فيخلفه غيره فيصبح كل ما يملك للوارث، والوارث إذا كان من أهل الطاعة أصبح هذا الورث نعمة له، ولكن الأدهى إذا كان من أهل المعصية، فلك منها كفل، لأنك أعنته بهذا المال الذي خلفته له على المعصية.
الميثاق الذي أخذه الله علينا
(وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين)، وأي عذر لكم في ألا تصدقوا بوحدانية الله وتعملوا بشرعه والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى ذلك، وقد أخذ الله ميثاقكم على ذلك إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم.
علامات صدقه صلى الله عليه وسلم
(هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم)، يمتن الله عز وجل على عباده بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات البينات الواضحة التي لا يمكن أن ينكرها صاحب عقل، واضحة الحجة، عظيمة البرهان، قوية الدليل، لا ينكرها إلا جاحد، ومن فضله ومنته على عباده (ليخرجكم من الظلمات الى النور)، لأن الله يريد بكم الخير لأن من صفاته كما قال (وإن الله بكم لرؤوف رحيم).
الترغيب في الإنفاق
قال عز وجل مرغبا في الإنفاق: أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض يرث كل ما فيهما ولا يبقى أحد مالكا لشيء فيهما (وما لكم لا تنفقون في سبيل الله ولـله ميــراث السمـوات والأرض)، (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتـل... الآيـة)، لا يستوي في الأجر والمثوبة منكم من أنفق من قبل فتح مكة وقاتل الكفار، أولئك أعظم درجة عند الله من الذين أنفقوا في سبيل الله من بعد الفتح وقاتلوا الكفار، وكل من الفريقين وعد الله الجنة، والله بأعمالكم خبير لا يخفى عليه شيء منها وسيجازيكم عليها.
الحث على الصدقة
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم)، سماه الله عز وجل قرضا والمال ماله والعبد عبده، يسأل الله عز وجل السؤال، والمراد به الحث والترغيب، وقد سمي هذا الإنفاق قرضا فيه الخير لك في الدنيا والآخرة، بل وعد الله عز وجل بأن يكون أضعافا مضاعفة من الكريم، هل تتخيلين وتتصورين عطاء الله عز وجل، فهو فوق إدراك البشر، وله جزاء كريم، وهو الجنة.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)