بيروت ـ بولين فاضل
لم يصدق أحد من الذين حضروا يوم جنازة زياد الرحباني، أنهم مروا بالقرب من السيدة فيروز، والسؤال الذي طرحه كثيرون: كيف قررت فيروز أن تكسر عزلتها الاجتماعية وتذهب إلى المشهد النقيض حيث الحشود والضجيج وكاميرات المصورين وفوضى الفضوليين؟
«الأنباء» حملت السؤال إلى واحدة من الصديقات المقربات من فيروز، فكان جوابها أنها هي نفسها التي تعرف فيروز جيدا توقعت أن تحضر «الست» إلى الكنيسة بعد إخلائها من الناس، فتختلي بـ «زيادها» بهدوء وتصلي ثم تغادر.
غير أن فيروز خالفت كل التوقعات، واختارت التوجه إلى صالون الكنيسة حيث تقبلت التعازي، قائلة إن فيروز، وبحسب معرفتها بها، هي سيدة اللحظة وسيدة القرار وحدها، وربما قررت في اللحظة نفسها البقاء لحضور التعازي،
والمشاركة في مراسم الجنازة، منفذة بذلك رغبة زياد الذي لطالما دعاها إلى النزول بين الناس لتلمس مقدار حبهم لها، وهي ببقائها يوم الوداع وسط محبي زياد وما أكثرهم، إنما فعلت ما كان زياد يريده لها طوال هذا العمر.
وعما يمكن أن تقوله عن السيدة فيروز وما قد تكون عليه حالها وهي الأم الحزينة، أجابت «فيروز هي امرأة قوية جدا لدرجة لا يمكن وصفها أو تخيلها ولديها طاقة استثنائية على التحمل والصبر، هي أقوى من ريما وزياد، وهي مصدر قوة الآخرين، وصاحبة القرار في كل شيء ولا أحد يقرر عنها».
مراسم التشييع
وكانت السيدة فيروز وصلت وابنتها ريما في سيارة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وبرفقته إلى المحيدثة-بكفيا في المتن الشمالي، حيث دخلت وسط الناس إلى الكنيسة مع ريما، وجلستا في الصف الأول على أنغام ترتيلة «أنا الأم الحزينة» التي أدتها فيروز، والتي ترافق كل جمعة حزينة في عيد الفصح لدى الطائفة المسيحية.
وبعد وصول السيدة فيروز إلى داخل الكنيسة، تقدمت منها السيدة الأولى عقيلة الرئيس اللبناني نعمت عون لتقديم التعازي، وبدت داخل الكنيسة الفنانة جوليا بطرس. وبعد ذلك، توقف البث التلفزيوني المباشر من داخل الكنيسة لكي تختلي السيدة فيروز بابنها وتصلي بهدوء.
وبعد لحظات خرجت السيدة فيروز من الكنيسة واخترقت الحشود ودخلت إلى قاعة التعازي حيث جلست وبقربها ريما. ومع تجمهر المصورين حولها بكاميراتهم علا صوت كل من الفنان غسان الرحباني والممثلة كارمن لبس لمطالبة المصورين بإبعاد الكاميرات عن السيدة فيروز واحترام خصوصية لحظات الحزن.
وبعد هدوء صخب الكاميرات كانت السيدة فيروز جالسة بهالتها الفريدة والمعزون يمرون أمامها.
وقد تخطت العائلة الرحبانية الخلافات وتقبلت مجتمعة التعازي، حيث وقف الفنانان غسان وجاد الرحباني نجلا الراحل الياس الرحباني وأبناء منصور الثلاثة غدي ومروان وأسامة الرحباني إلى جانب عمة الراحل وهدى شقيقة السيدة فيروز.
وكان رفاق زياد ومحبوه قد احتشدوا بكثافة (تخطى عددهم الألفي شخص) منذ الصباح الباكر أمام مستشفى خوري في الحمرا لوداعه لدى خروج موكب جثمانه، وكان وداعا شعبيا عفويا صادقا وفيه من روح زياد.
وقبل خروج الموكب، راحوا يرددون أغنياته لاسيما أغنية «شو هالايام اللي وصلنالها»، وكان لافتا أن الحاضرين كانوا من مختلف الأعمار والأجيال بدءا من جيل الخمسينيات حتى جيل الألفين، وجميعهم تأثر بزياد وحفظ لغته ومفرداته ومسرحياته التي كانت مرآة للناس وللحقيقة بلا أقنعة.
ولحظة خروج الموكب، علا التصفيق الذي امتزج بدموع وزغاريد ونثر ورود وهتافات «الله معك يا كبير»، «الله معك يا أبو الزيد».
ولم تحل حرارة يوليو دون سير الجميع وراء الموكب الذي شق طريقه بصعوبة بين الحشود وتقدم ببطء شديد قبل أن يصل إلى الشارع الرئيسي في الحمرا التي أحبها زياد واختارها مسكنا له ولأفكاره وإبداعاته.
ومن الحمرا انطلق الموكب إلى بلدة المحيدثة - بكفيا في المتن الشمالي شمال شرق بيروت، وكان من ضمن المواكب سيارة بدا فيها ابن عم الراحل غدي الرحباني وكان التأثر واضحا عليه، ما أثبت تخطي الخلافات العائلية بين عائلتي عاصي ومنصور في حضرة قساوة الرحيل واستثنائية الراحل.
وقد أقيمت مراسم الجنازة عند الساعة الرابعة في كنيسة رقاد السيدة التي غصت بـ«لبنان الرسمي والشعبي»، حيث حضر رئيس الحكومة نواف سلام ممثلا عن رئيس الجمهورية، فيما مثل رئيس مجلس النواب نائبه إلياس بوصعب، وأعلن الرئيس سلام في ختام الجنازة منح الفقيد وسام «الأرز الوطني» من رتبة كومندور باسم رئيس الجمهورية.