بيروت - ناجي شربل وأحمد عزالدين
لم تسفر جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون عن قرارات كانت منتظرة من المجتمع الدولي والداخل اللبناني في شأن السلاح غير الشرعي، وفي طليعته سلاح «حزب الله».
في البداية تم تأجيل البحث في بند السلاح الذي أدرج كبند أول في الجلسة إلى البند الأخير. واستغرق النقاش فيه وقتا. وتزامن النقاش مع كلام للامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في إطلالة تلفزيونية مسجلة.
واختصر قاسم الموقف بالقول: «نحن غير موافقين على أي اتفاق جديد غير الاتفاق الموجود بين الدولة اللبنانية والكيان الإسرائيلي (وقف إطلاق النار الأخير الموقع 27 نوفمبر 2024).
وفي كلمة لرئيس الحكومة د.نواف سلام بعد انتهاء الجلسة، تحدث عن قرار مجلس الوزراء بخصوص بند السلاح وذكر بالدستور والبيان الوزاري وخطاب القسم واتفاق الهدنة مع إسرائيل وكلها تدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة. وقال ان البحث في ملف السلاح سيستكمل في جلسة الخميس. وطلب من قيادة الجيش اللبناني وضع خطة لتسليم السلاح من الجهات المحددة في الورقة الأميركية وعرضها على الحكومة قبل 31 أغسطس الجاري.
باختصار، لم تتمكن الحكومة من التوصل إلى قرار حاسم، وتفادى أركان السلطة الدخول في لعبة التصويت بين أكثرية ضد السلاح، وأقلية حكومية تقتصر على وزراء «الثنائي الشيعي»، تفاديا لإحداث مشكلة لا تتحمل وزرها البلاد. وأبقى القيمون على السلطة الأمر عند حدود التفاهمات، وضرورة التزام «الحزب» طوعا في مسألة نزع سلاحه وتسليمه.
وقبل الجلسة شعر اللبنانيون بثقل المواجهة بين طي ملف قديم يتعلق بالسلاح غير الشرعي، ويعود إلى ستينيات القرن الماضي، وكان كفيلا بتقويض «عهد الشهابية» وبين حضور الدولة السيدة على أراضيها، والمنتظرة منذ ما قبل اندلاع الحرب الأهلية وما بعدها.
مقارنة لا يريد منها اللبنانيون أن تتكرر في عهد الرئيس العماد جوزف عون، بحيث تتمكن الدولة اللبنانية من كسب التحدي لدى مواطنيها، وتكون الملاذ والمرجعية لهم دون شريك، وتقف على رجليها، وإن كان الاختلاف حول صورة «أي لبنان نريد». لبنان القوي بسلاح ردع ضد إسرائيل، لكن الأمر غير متاح من قبل المجتمع الدولي، إلى رفض قسم لا بأس به من أبناء البلاد، ان يكون الردع في أيدي فئة معينة تتخذ قرارات لا تتلاءم والأجندة اللبنانية. أم لبنان المجرد من الردع، وتاليا ما كان يردده الرئيس الراحل المؤسس لحزب «الكتائب اللبنانية» بيار الجميل من ان «قوة لبنان في ضعفه». وبين الموقف الأولي الرافض من قبل «الحزب» مناقشة تسليم سلاحه، ومنطق الدولة القائم على ضرورة حصرية السلاح وإمساك الدولة بقرار السلم والحرب، استمرت الاتصالات إلى ما قبل وقت قصير من انعقاد جلسة الحكومة، بحثا عن مخارج، على قاعدة ان اللغة العربية مليئة بالمفردات الكفيلة بإرضاء الجميع، من دون الاصطدام بالمجتمع الدولي. وكانت اتصالات الساعات الأخيرة محكومة بـ 4 هواجس لإخراج جلسة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث من عنق الزجاجة، وهي جاءت غداة التحرك الشعبي اللافت والأجواء المشحونة في الذكرى الخامسة لتفجير المرفأ، مع التمسك بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
وقال مصدر مقرب من مرجع رسمي لـ «الأنباء» أن التركيز في النقاش المتعلق بالجلسة أخذ بعين الاعتبار مراعاة 4 هواجس، وهي: أولا: لا أحد يريد تفجير الحكومة من الداخل، والمطلوب المحافظة على العناوين الرئيسية التي تشكلت على أساسها، والخطوط العامة التي وضعتها في بيانها الوزاري ووافق عليها الجميع انطلاقا من إرادة جامعة بإعادة بناء الدولة، والقيام بخطة نهوض اقتصادي وإنمائي على مختلف الصعد.
ثانيا: تجنب أي انحناء أو التفاف يؤدي إلى مواجهة مع المجتمع الدولي، بعدما وصلت عدة رسائل ديبلوماسية إلى أكثر من مسؤول ومن جهات دولية وعربية فاعلة بأن فترة السماح قد شارفت على الانتهاء، ولا يمكن للبنان أن يستمر في المراوحة وانتظار التطورات الإقليمية والدولية، وكل ذلك لن يكون في مصلحة الشعب اللبناني.
ثالثا: أخذ جميع المسؤولين والممسكين بقرار الجلسة والمحيطين بها، أن التحديات الإسرائيلية ماثلة للعيان. وتنتظر إسرائيل الفرصة التي يرفع فيها الغطاء الدولي عن لبنان لاستكمال عدوانها، بعدما أعادت خلال الأشهر الـ 8 الماضية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي وضع «بنك أهداف» واسع النطاق لبنى تحتية عسكرية حزبية في مناطق واسعة من لبنان، إضافة إلى استهداف شخصيات على مستويات مختلفة. والهاجس الرابع وهو الذي يثير القلق أكثر مما عداه لدى جميع المسؤولين، هو استفزاز الشارع أو تحريكه بشكل يمكن أن يؤدي ليس إلى عودة الأمور إلى نقطة الصفر بل ربما إلى وضع أسوأ، والدخول في مزالق يرى المسؤولون أنها قد أصبحت خلف الجميع منذ زمن بعيد. وكان تأكيد أن لا أحد يريد مواجهة في الشارع، خصوصا انه وجهت في الساعات الأخيرة دعوات مجهولة من أطراف مختلفة لتحركات وتحركات مضادة، الأمر الذي دعا المسؤولين إلى إجراء اتصالات مع الجهات المعنية بالأمر. كما أعطيت التعليمات الواضحة إلى القوى الأمنية والعسكرية للجاهزية التامة والتعاطي بحزم مع أي محاولة لإحداث خلل أمني في البلد. وثمة هاجس آخر حكم هذه الاتصالات لجهة مسار الجلسة وقراراتها، وهو أن عدم التوصل إلى حل والاستمرار في المراوحة السياسية يعطلان المساعي الدولية الهادفة إلى الانسحاب الإسرائيلي من المواقع المحتلة وعودة الإعمار في القرى المدمرة، الأمر الذي سيكرس المناطق الحدودية بطريقة غير مباشرة كمنطقة عازلة لن يستطيع السكان العودة إليها.
في جانب آخر، كشف وزير سابق «تربطه علاقات جيدة بـ «الثنائي الشيعي» لـ «الأنباء»، عن أن «الحل الخاص بسلاح الحزب سياسي بامتياز وغير أمني. لذا لا بد من التحدث بالسياسة مع الحزب للوصول إلى حلول، مع الأخذ في الاعتبار ان البلدات الحدودية المدمرة غير متاح العودة إليها، وبالتالي، فإن الكلام عن ربط إعادة الإعمار بتسليم السلاح أمر غير واقعي، ذلك ان المسألة في مكان آخر، لجهة وجود سيادة لبنانية على أراض تابعة للدولة اللبنانية».
وتابع: «من غير المقبول لدى الثنائي تكريس سيادة إسرائيلية بالمواربة على بلدات لبنانية من حدودية وغيرها. وبات الكلام يتردد على صوت عال في الصالونات السياسية عن نية إسرائيلية باحتلال يشمل البقاع الغربي والجنوب، بطريقة غير مباشرة بحيث تؤول الأمور في تلك المنطقة إلى مجموعة معينة من طائفة معينة، أسوة بما هو حاصل في مناطق عدة في سورية».
وبدا واضحا أن الجميع عملوا على استيعاب تداعيات كان الشارع كفيلا بتحريكها، في ضوء ما صدر من إشارات عن تحركات مؤيدة للسلاح وأخرى معارضة. وقد دعت مؤسسات محلية وأخرى تدار من جهات أجنبية إلى تقليص ساعات دوام العمل يوم الثلاثاء، في ضوء ما تردد عن اعتزام البعض إطلاق مسيرات شعبية في شوارع العاصمة. رئيس الجمهورية العماد جوزف عون قال «إن الاستقرار في لبنان هو المدخل الأساسي للنهوض بالاقتصاد اللبناني من جديد، وإن العمل قائم على تثبيت هذا الاستقرار بالتزامن مع الإصلاحات التي تمت حتى الآن وتلك التي ستنجز في المستقبل القريب من خلال مشاريع القوانين التي يقرها مجلس النواب والقرارات التي تتخذها الحكومة». واعرب الرئيس عون خلال استقباله وفدا من «مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الرابع» عن تفاؤله بالأيام الآتية، لافتا إلى ان «ما يشهده لبنان راهنا من انتعاش في الحركة السياحية، وعودة المؤتمرات الدولية إلى عاصمته وحضور أبناء الدول العربية عموما ودول الخليج خصوصا لتمضية فصل الصيف فيه، دليل ثقة بأن لبنان بدأ يستعيد عافيته تدريجيا، وكذلك حضوره على الساحتين العربية والدولية». ونوه رئيس الجمهورية بالجهود التي يبذلها، رجال الأعمال في لبنان ودول الانتشار من أجل دفع العجلة الاقتصادية نحو الأمام.