بيروت ـ داود رمال
في خطوة مفصلية تعكس تحولا نوعيا في مقاربة الدولة اللبنانية لملف السيادة والسلاح، اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قرارا تاريخيا يقضي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبسط سلطتها الكاملة على كافة الأراضي اللبنانية من دون استثناء، وذلك ضمن مهلة زمنية تنتهي آخر السنة الحالية.
القرار الذي حاز موافقة غالبية القوى السياسية المشاركة في الحكومة باستثناء وزراء «الثنائي الشيعي»، تضمن تكليف الجيش اللبناني وضع الخطة العملانية لتنفيذ هذا التوجه، على أن تعرض هذه الخطة على مجلس الوزراء في نهاية الشهر الجاري، تمهيدا لمناقشتها وإقرارها بصيغتها النهائية للمباشرة بتنفيذها الفعلي.
مصدر سياسي لبناني رفيع قال لـ«الأنباء»: «لم يأت هذا القرار من فراغ، بل جاء ثمرة نقاشات ومشاورات مكثفة أجرتها الحكومة اللبنانية مع أطراف داخلية وخارجية، ومع محيطها العربي والدولي، بعد أن بلغت الضغوط على لبنان مستويات تنذر بتعقيدات سياسية وأمنية كان يمكن أن تنعكس سلبا على استقراره وأمنه وسلمه الأهلي، خصوصا في ظل تصاعد التهديدات والتلميحات بأن لبنان بات في مرمى العقوبات السياسية والاقتصادية وربما أكثر، إذا لم يتحمل مسؤولياته السيادية بشكل جدي وفعلي».
وبحسب المصدر «فإن صوغ القرار الحكومي لم يكن مجرد نص سياسي، بل وقف في تفاصيله على كل الملاحظات والنصائح التي أسداها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يلعب دورا محوريا في هذه المرحلة، ويقاتل على جبهات عدة لحماية لبنان من الانزلاق إلى فوضى أمنية أو إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، كون هاجس بري الأساسي هو وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الجنوب، ووقف عمليات القتل المتنقلة بحق المدنيين، وصولا إلى الانسحاب الإسرائيلي خلف الخط الأزرق، بما يمهد لعودة الاستقرار وإطلاق مسار إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية، وهو يردد دائما: ما يهمني إعمار الجنوب ومن ثم إعمار الجنوب ومن ثم إعمار الجنوب».
قرار حصرية السلاح، بهذا المعنى، لم يكن مجرد استجابة لضغوط، بل خطوة استباقية لتجنيب لبنان المزيد من التصعيد، خصوصا أن جهات دولية كانت قد ألمحت بوضوح إلى أن استمرار الغموض الحكومي إزاء هذا الملف سيصعب مهمة فرنسا في مجلس الأمن في تأمين التوافق الدولي المطلوب لتجديد ولاية قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان «اليونيفيل» خلال النصف الثاني من الشهر الجاري. وكانت ثمة مؤشرات حقيقية إلى أن غياب موقف لبناني رسمي وواضح حول بسط سلطة الدولة، كان سيؤدي إلى انقسامات داخل مجلس الأمن قد تفضي إلى إضعاف المهمة الدولية أو تعديل شروطها.
ومع صدور هذا القرار، سحب فتيل التصعيد الدولي، وتم تأمين أرضية صلبة تساعد على تجديد مهمة «اليونيفيل» من دون عراقيل، ما يعزز الاستقرار في الجنوب ويوفر غطاء إضافيا للجيش اللبناني لتنفيذ مهمته ضمن الخطة المرتقبة، في ظل تنسيق كامل مع القوات الدولية ومع الجهات المحلية.
القرار الحكومي بحصرية السلاح، وإن بدا نظريا في سياقه الزمني، إلا أنه عمليا يشكل إعلانا عن بداية مرحلة جديدة من التعاطي الرسمي مع ملف طالما كان موضع خلاف داخلي وتجاذب خارجي. ويعيد القرار الاعتبار إلى الدولة كمظلة لجميع اللبنانيين، وكمسؤولة عن أمنهم وسيادتهم. ويبقى التحدي الأكبر في ترجمة هذا القرار إلى خطة تنفيذية مدروسة تستلهم تجربة حصر السلاح في جنوب الليطاني بيد الدولة، والتي تمت بتفاهم كلي وبإيجابية على رغم من العرقلة الإسرائيلية، في وقت يبدو أن الأطراف جميعهم، وإن بدرجات متفاوتة، باتوا يدركون أن استمرار الواقع الحالي لم يعد ممكنا، وأن لا خيار للبنان سوى الدولة القوية والعادلة والحاضنة لكل مكوناته».