- أهلَّ علينا شهر رمضان الكريم، وهو شهر يترقبه المسلمون ويتجهزون لإحيائه بأعمال الخير والعبادة توخياً للأجر العظيم والمغفرة الكبيرة التي وعد الله بها عباده المخلصين.
- وبين رمضان اليوم ورمضان الأمس مظاهر ومشاعر متباينة، يدركها من عاشوا الرمضانَين، والذين عبروا عنها في هذه السطور بكلمات يملؤها الحنين، وفي الوقت نفسه يتحدثون عن الحاضر الذي يحفل بكثير من المقومات التي تزيد همة المسلم في إحياء الشهر الفضيل.
في البداية، يقول د.بسام الشطي: رمضان في الماضي كان يتميز بالبساطة والعفوية، حيث كان المجتمع يتشارك في تفاصيل الحياة اليومية، ومن أبرز مظاهره: المسحراتي والمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد وصحبة الصغار للتراويح والقيام والدروس بعد العصر والتجمعات العائلية على مائدة الافطار، حيث يتم تحضير اطباق تقليدية بأيدي الأمهات والجدات، الى جانب موائد الافطار في المساجد، وكانت تقام مسابقات القرآن الكريم والحديث والسيرة في أغلب المناطق مع وجود خط مباشر للرد على الاسئلة والاستفسارات وتوزيع الكتب والمطويات عن رمضان، وكان الناس اكثر حرصا على مساعدة الفقراء والمحتاجين بطرق مباشرة، مثل توزيع الطعام يدا بيد او تجهيز موائد الرحمن في المساجد والأحياء.
ويضيف د.الشطي: مع تطور الزمن، تغيرت ملامح رمضان، واصبح يعتمد على التكنولوجيا والتغيرات الثقافية، ومن ابرز سماته التكنولوجيا الحديثة، حيث أوقات السحور والافطار اصبحت تعتمد على التطبيقات الرقمية والمواعيد تصل للناس عبر الهواتف، ما جعل من يوقظ الناس جزءا من الذكريات، وهناك العادات الغذائية، إذ إن الاطعمة التقليدية تراجعت لتحل محلها وجبات حديثة ومأكولات سريعة، كما اصبح الترف اكثر حضورا في المائدة الرمضانية.
وبخصوص التلفزيون والمسلسلات، في الماضي كانت ليالي رمضان تُقضى في المساجد وفي الذكر، اما اليوم فأصبحت المسلسلات والبرامج الترفيهية عنصرا أساسيا يملأ اوقات الناس، والحمد لله لا يزال التكافل الاجتماعي موجودا، لكنه اصبح يتم غالبا عبر المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تنظم حملات ضخمة لتوزيع المساعدات.
بدوره، يقول د.خالد الشطي: شهر رمضان في السابق كانت له لذة خاصة يرجعها البعض الى بساطة الحياة قديما وقرب الجميع ومعرفتهم بعضهم ببعض، وكان اهل الكويت يتجهزون اول شهر شعبان للاستعداد لقدوم شهر رمضان من خلال تجهيز المواد الغذائية التي تكفي الشهر بالكامل، وأبرزها التمور التي كانت تجلب من البصرة والارز الذي يجلب من الهند، وبحلول 15 من شهر شعبان يبدأ دق الهريس والجريش في احتفال يسهر فيه النساء والاطفال حتى الفجر، ومن بين الاستعدادات المبكرة ترميم الدواوين وحمل الاواني والقدور الكبيرة على الجمال ونقلها بين مخازن البيوت الكبيرة الى سوق الصفافير الخاص بتلميع الالمنيوم من اجل تجهيزها للطبخ وولائم الافطار التي كانت توزع في الاسواق والدواوين وعلى الفقراء وفي بيوت الوقف.
القرقيعان
يشير د.الشطي الى أن ايام 13 و14 و15 من رمضان اشتهرت منذ القدم حتى اليوم بحفل القرقيعان، وفيه يخرج الاطفال ويطرقون أبواب الجيران الذين يمنحونهم الحلوى الرمضانية مثل الزلابية واللقيمات وبعض الأموال. واشتهر رمضان قديما بما يعرف بـ «النقصة»، وهي هدية يخصصها اهل البيت للجيران والاصدقاء والاقارب ابتهاجا بالشهر، وتكون من الطعام او البخور والعطور او الملابس، كما عُرف قديما «النافلة» وكانت تتم ليلة الجمعة، وهي عبارة عن إرسال الطعام للمساجد والفقراء بنية إثابة المتوفين من اهل البيت، وكانت النساء يقضين الليلة الاخيرة من رمضان في تجهيز الطعام للافطار، ويتكون من أرز ولحم على عكس المعتاد في باقي الايام.
وعن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في السابق يقول سليمان الرومي: بالنسبة للمساجد أرى انه أفضل من السابق، حيث في كل منطقة أكثر من مسجد وفيه توسعة للمساجد وتوافر وسائل الراحة فيه وخدمات للسيارات ولكبار السن، كما تنوع المقرئون وكثروا وزادت أعداد الحافظين الكويتيين للقرآن الكريم، كما توجد في المساجد المكتبات التي توفر الكتب والمراجع، وفي كل مسجد نجد ثلاجة وماء وضيافة وحلقات تقام بعد أداء الصلاة، كما ان كل مسجد به مصلى للنساء وكان ذلك قليلا في السابق، فأصبح في زماننا رمضان فيه توسع
ورفاهية وارتياح.
كما يقام في هذا الزمن الاعتكاف لكل الأعمار، وللنشء تقام لها معسكرات للاعتكاف لم تكن موجودة من قبل.
أما بخصوص القرقيعان فكان في السابق أفضل وأبسط ولا يكلف رب الأسرة كما يقام الآن من تنافس ومظاهر لا داعي لها يقدرون فيه الذهب وغيره، فأرى ان القرقيعان زمان كان أفضل وأجمل وأبسط وكانت الألعاب شعبية بسيطة وسهلة، أما الآن لكي يذهب الطفل للألعاب فيذهب الى مهرجان أو مول من المولات، وكان زمان لرمضان فرحة مميزة وكل شيء بسيط يسعد الناس.
رمضان الأمس.. واليوم
يقول الكاتب محمد الدعيج: رمضان هو رمضان لم يتغير في دخوله وصومه وفي انتهائه عيدا لكن بتغيّر ثقافات الناس تتغير نكهات رمضان.
رمضان له ميزة ولذة هي لذة القرآن ولذة الصوم.
دعونا نعد قليلا الى الوراء، لنرى حال الناس في شهر رمضان، زمن جبلة والمرقاب وشرق، يوم كان الناس يشقون في النهار، وينامون في الليل من التعب، بعد صلاة العشاء، وفي رمضان بعد صلاة التراويح، الرجل يروح البيت وينام على طول ويقعد يتسحّر ويُمسك ويصلي الفجر، ويطلع لكسب الرزق في شدة البرد والحر وهو صائم، واذا أُذن المغرب أفطر وأكل التمرة وشرب ماي من «البُرمه» وبعد صلاة العشاء يأكل لقمة عيش چاول او هريس أو جريش او تشريبة (ومرقة هوى)، وما لذ وطاب فيها، والسفرة يلتم عليها الأهل من الزوجة والأب والأبناء ويقومون من السفرة وكلهم يقولون: الحمد لله على النعمة، يا رب لك الحمد، يمّه جزاك الله خيرا على هالطبخة، ويتمنون منها غدا للإفطار مموش مع دقوس صبار، ولقيمات وصب القفشه وبعض الزلابية والغريبة.. هذا رمضان أيام زمان، السفرة بسيطة ولكنها كاملة المواصفات من الأصناف، والأهم من ذلك جلوس كل من في البيت مع بعض، والمواعين على السفرة قليلة ولكنها تكفي الجميع، انها بركة الطعام، ولا ننسى ليالي القرقيعان والإخراج المسرحي لها، وجوه مصبّغة «بالسنون.. والدمبك يرقع رقع» و«قواطي الطماط الخالية» «أوركسترا القرقيعان» ونشيد القرقيعان العسكري.
وليلة العيد وما أدراك ما ليلة العيد، تعم البيت أنوار غير طبيعية ولها حسابات وبهجة لا يمكن لأبناء هذا الجيل المساكين ان يستطعموا لذتها وفرحتها.
طرق الدشداشة والأهم هو العيدية «100 فلس ويطير من الفرحة» والدوارف والقليلبة، وصبحيّة العيد التزاور والتهاني وغداء العيد وعساكم من عوّاده، وعصرية العيد، وما أحلاها من عصرية وهي استمرار لفرحة العيد، يتجمع أبناء الفريج ويروحون الى مدينة ملاهي أيام زمان، ما أحلاها من أيام، وكان لفراق رمضان لحظات صعبة وتُذرف الدموع لفراقه، وله مكانة عظيمة عند دخوله ووداعه بالدموع، وبفرحة العيد، هذا رمضان أيام ذاك الزمان الجميل.
أما رمضان هذا الزمان، فهو يهل علينا ونحتفل به كأنه مجرد شهر تكثر فيه ساعات النوم، والجمعيات مكتظة والناس طوابير وكل واحد معاه عربانة ممتلئة بالمواد الغذائية تكفيه لمدة سنتين، وتكثر فيه أنواع الأطعمة، وما لذ وطاب من أنواع الأطعمة والشوربات والمچابيس، والهريس والجريش والسمبوسة وكبة البطاط، والتحلية باللقيمات وأنواع الحلويات وغدا يتغير «المنيو».. وستكون هناك سفرة أخرى وليالي رمضان يكثر فيها السهر الى ساعات الفجر، والذهاب للأسواق والمقاهي والمولات، ويبقى القرقيعان مناسبة أصيلة.
لكن وللحق تبدل عادات الناس جعل رمضان الماضي ذا أجواء خاصة محببة.
من جهته، قال الداعية أحمد قبلان العازمي: اختلف حال الناس في رمضان بين الماضي والحاضر، افتقدنا عادات جميلة التي كانت تضفي على رمضان طابعا مميزا كان الناس يعيشون رمضان بروحانية عالية حياتهم تتسم بالبساطة وكانت العبادات في هذا الشهر تتصدر الأولويات، حيث يقبل الناس على صلاة التراويح والقيام وقراءة القرآن كانت العائلة تجتمع حول مائدة الإفطار المتواضعة، يتقاسم أفرادها الطعام بروح المحبة، ويحرصون على تبادل الأطباق مع الجيران، كانت الأسر تتزاور وتلتقي لتعزيز صلة الرحم، كان إفطار الصائمين في المساجد من أجمل صور التكافل، مع تطور الحياة أصبح كثير من الناس منشغلين بالعمل والتكنولوجيا ووسائل التواصل عن قراءة القرآن وقيام الليل، أصبح الهاتف والمسلسلات وإعداد الطعام والموائد الفاخرة شغل الناس الشاغل، رمضان فرصة عظيمة لا تعوّض يجب علينا ان نستعد لها لننال الأجر العظيم من الله تبارك وتعالى.