يقول الله عز وجل (أفرأيتم اللات والعزى) أفرأيتم أيها المشركون هذه الآلهة التي تعبدونها: اللات والعزى (ومناة الثالثة الأخرى) ومناة الثالثة الأخرى، هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله؟
(ألكم الذكر وله الأنثى) أتجعلون لكم الذكر الذي ترضونه، وتجعلون لله بزعمكم الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟ (تلك إذن قسمة ضيزى) تلك إذن قسمة جائرة غير عادلة، ظالمة. والله يلتفت في الخطاب لهؤلاء الكافرين بخطاب عقلي، أنتم فضلتم الذكور على الإناث ثم بدل أن تجعلوا ما فضلتم للإله جعلتم ما فضلتم لأنفسكم وجعلتم ما تكرهون لربكم، فكيف يعقل ذلك؟ يعني بالمنطق هذه القسمة جائرة.
من أطاع الهوى هوى
(إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.. الآية) ما هذه الأوثان إلا أسماء ليس لها من أوصاف الكمال شيء إنما هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم على حسب أهوائكم الباطلة ما أنزل الله بها من حجة تصدق دعواكم فيها، وما يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن وهوى أنفسهم المنحرفة عن الفطرة السليمة، ولقد جاءهم من ربهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه هدايتهم فما انتفعوا به.
(أم للإنسان ما تمنى) ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه. (فلله الآخرة والأولى) فلله أمر الدنيا والآخرة (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). وكثير من الملائكة في السموات مع علو منزلتهم لا تنفع شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة ويرضى عن المشفوع له.
(إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) يبين الله ضلال هؤلاء حيث يسمون الملائكة هذا الخلق العظيم تسمية الأنثى التي في زعمهم أنها عار عليهم فهم لا يصدقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها ليسمون الملائكة تسمية الإناث لاعتقادهم جهلا ان الملائكة إناث وأنهم بنات الله (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن.. الآية)، وما لهم بذلك من علم صحيح يصدق ما قالوا، ما يتبعون إلا الظن الذي لا يجدي شيئا ولا يقوم أبدا مقام الحق.
أعرض عن كل ما يلهيك عن ذكر الله
(فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) فأعرض عمن تولى عن ذكرنا وهو القرآن ولم يرد إلا الحياة الدنيا.
إنذار شديد
(ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم، إن ربك هو أعلم بمن حاد عن طريق الهدى وهو أعلم بمن اهتدى وسلك طريق الإسلام. وفي هذا إنذار شديد للعصاة المعرضين عن العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المؤثرين لهوى النفس وحظوظ الدنيا على الآخرة.
فضله عز وجل واسع
(ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) الذين أساءوا هم الذين خالفوا الله عز وجل وارتكبوا المحظورات وأساءوا يجزيهم الله بما عملوا السيئة بالسيئة لا تزيد أو يعفو الله عز وجل عمن يستحق العفو (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لم يقل الله (بما عملوا) لأن فضل الله واسع أوسع من أعمالنا يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، تعمل الحسنة تكون بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، من هم المحسنون الذين يجازيهم الله بالفضل ذكر الله تعالى شيئا من أوصافهم (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)، يبتعدون عنه، سمي الابتعاد اجتنابا، لأن الإنسان في جانب والذي أبعد عنه في جانب آخر، هم لا يتصلون بكبائر الإثم والفواحش، هذه الكبائر جمع كبيرة والكبيرة بعض العلماء عدها وبعضهم حدها. واللمم الشيء القليل وقيل انه صغائر الذنوب.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)