بيروت - بولين فاضل
حتى الأمس القريب، كانت عائلة ميلاد نعوم خوري لاتزال تعتقد أن ابنها ميلاد الذي فقد أثره في ليلة من ليالي مايو من العام 1989 في بلدة قرنايل في أعالي قضاء بعبدا، قد جرى خطفه ونقله إلى سورية حاله حال الكثير من المخطوفين والمفقودين اللبنانيين الذين قضى بعضهم في السجون السورية في زمن النظام السوري السابق أو جرت تصفيتهم حتى قبل أن يقبعوا في السجون ويذوقوا ظلمتها وظلمها.
36 سنة على هذه القناعة بشأن مصير ميلاد خوري قبل أن يأتي زمن الانتخابات البلدية والاختيارية، فيؤدي بعدها التنافسي السياسي في بلدة قرنايل التي تضم عائلات من الطائفتين المسيحية والدرزية إلى نشوب خلاف في السياسة بين جهتين متنافستين نبشت خلاله دفاتر الماضي الأليم ما أدى إلى اعتراف من إحدى الجهتين بأن ميلاد قد قتل على يدها قبل 36 سنة وجرى إخفاء جثته في مكان قريب من بلدته.
وبالرغم من اقتياد الجهة المعترفة عائلة المغدور إلى مكان إخفاء جثته، لم يتم العثور على بقايا الجثة لأن مبنى شيد في المكان، ومع ذلك كان جلاء مصير ميلاد خوري كافيا لعائلته لالتئام جرحها النازف منذ أكثر من ثلاثة عقود في مسيرة البحث عن المفقودين المخفيين قسرا.
واللافت في هذه الحادثة الروح التسامحية من عائلة المفقود القتيل في موازاة التفاف وتعاطف حولها من جميع أبناء بلدة قرنايل من دون إعارة الاختلاف الطائفي أي شأن، حتى انه جرى توافق على تسمية شارع في البلدة باسم ميلاد خوري تخليدا لذكراه وليكون عبرة للأجيال الآتية بعدم الانجرار إلى التقاتل والانقسام.
هذه الحادثة كانت موضع تعليق في بيان صادر عن لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان التي قالت إن ما جرى خالف «المعزوفة الرسمية القائلة إن معرفة الأهالي الحقيقة عن مصير مفقوديهم ستؤدي إلى إثارة الفتن والأخذ بالثأر وتشكيل خطر على السلم الأهلي». وتوجهت اللجنة إلى السلطات اللبنانية كافة وإلى قادة الأحزاب السياسية بالقول إن «معرفة مصير المفقود ميلاد خوري لم ينتج عنها أي ردود فعل سلبية لا من عائلته التي اكتوت بنيران فقدانه، ولا من أبناء بلدته، ولا من أهالي المفقودين والمخفيين قسرا».
رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» وداد حلواني قالت في حديث إلى «الأنباء» إن «جلاء مصير مفقودي الحرب هو الكفيل بإتمام مسامحة تؤدي إلى مصالحة وطنية حقيقية»، مشددة على فكرة أن «السلطات اللبنانية أقرت بوجود مقابر جماعية على الأراضي اللبنانية، ولا يجوز بالتالي أن تمضي في التعتيم عليها وأن تبقى مادة سبق اعلامي عن وجودها في هذه المنطقة أو تلك من دون التحقق من صحة الأمر ومن دون مراعاة مشاعر أهالي الضحايا».
17 ألفا هو عدد مفقودي الحرب في لبنان بين 1975 و1990، وأعوام سبعة مرت على صدور قانون المفقودين والمخفيين قسرا الذي شكلت بموجبه الهيئة الوطنية للمفقودين، وبحسب وداد حلواني، فإن «ما من إرادة سياسية لتطبيق القانون، والعراقيل توضع أمامه، فيما هدف أهالي المفقودين ليس إشعال حرب جديدة وإنما الخروج من حالة اللايقين والانتظار».