أمضى حجاج بيت الله الحرام يوم أمس الثامن من شهر ذي الحجة 1446 هـ في مشعر منى، حيث قضوا يوم التروية مكثرين من التلبية والتسبيح والتكبير، تقربا لله تعالى، راجين منه القبول والمغفرة، متبعين ومقتدين بسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وبينت الشريعة السمحة، أن قدوم الحجاج المقرنين أو المفردين بإحرامهم إلى منى يوم التروية والمبيت فيها بطريقهم للوقوف بمشعر عرفة، سنة مؤكدة.
وأحرم المتمتعون المتحللون من العمرة من أماكنهم سواء داخل مكة أو خارجها، حيث بقي الحجاج بها إلى ما بعد بزوغ شمس اليوم التاسع من ذي الحجة، ليتوجهوا للوقوف بعرفة وأداء ركن الحج الأعظم، ويبقون فيها حتى مغيب شمس اليوم ثم ينفرون من عرفة ليبيتوا هذه الليلة بمزدلفة. ويؤدي الحجاج بعد وصولهم إلى مزدلفة صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير اقتداء بالسنة النبوية ويجمعون بعدها الجمرات قبل عودتهم إلى منى بعد صلاة فجر يوم العيد لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي وطواف الافاضة، ثم يقضون فيها باقي ايام التشريق لرمي الجمرات الثلاث إلا من تعجل. وبحسب قناة «العربية» تواجد في مشعر منى أمس قرابة 64 بالمائة من الحجاج، في حين أن 36 بالمائة توجهوا مباشرة للوقوف بعرفة.
وتفقد وزير الحج والعمرة السعودي د. توفيق الربيعة أمس المشاعر المقدسة ضمن جولة ميدانية على عدد من المواقع المختلفة في إطار متابعة الاستعدادات الميدانية لموسم الحج والاطمئنان على جاهزية المخيمات والمنشآت والخدمات قبل انتقال ضيوف الرحمن إلى مشعر عرفات اليوم.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية «واس» ان الجولة شملت الوقوف ميدانيا على جاهزية مشعر عرفات لاستقبال الحجاج للاطلاع على كفاءة المخيمات ومرافق الإيواء والخدمات اللوجستية وتكامل التجهيزات الصحية والتقنية والخدمية بما يضمن أداء النسك بسلاسة وطمأنينة.
وأشارت إلى متابعة الوزير الربيعة لسير العمل بمشروع تظليل وتبريد الساحات المحيطة بمسجد نمرة الذي يعد أحد المشاريع النوعية المخصصة لتحسين بيئة عرفات ويغطي مساحة 85 ألف متر مربع ويضم 320 مظلة و350 مروحة رذاذ لتلطيف الأجواء إلى جانب زراعة 2000 شجرة في الساحات الشرقية بهدف توسيع الغطاء النباتي وتلطيف الأجواء لضيوف الرحمن، فيما جهزت بنية تحتية متكاملة لدعم المشروع تشمل شبكات المياه والكهرباء لضمان التشغيل المستدام.
ونقلت «واس» تأكيد الوزير الربيعة في ختام الجولة أهمية تكامل الجهود بين مختلف الجهات المشاركة والعمل وفق أعلى معايير الكفاءة التشغيلية لخدمة ضيوف الرحمن تنفيذا لتوجيهات القيادة السعودية الرشيدة وسعيا لتحقيق موسم حج نموذجي يعكس مكانة المملكة وريادتها في إدارة هذه الشعيرة العظيمة.
وكان د.محمد القرني مدير عام الحج والعمرة بالمركز العام للنقل في الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة قال ان الجهات المعنية وضعت مخططات لتفويج أكثر من مليون حاج إلى مشعر منى، فيما تم تصعيد نحو 650.000 حاج مباشرة من مكة إلى مشعر عرفات، بدءا من صباح أمس.
ويقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو حد من حدود الحرم تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يسكن إلا مدة الحج، ويحده من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي «محسر».
ويعد مشعر منى ذا مكانة تاريخية ودينية، حيث به رمى نبي الله إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدي إسماعيل عليه السلام، ثم أكد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم هذا الفعل في حجة الوداع وحلق، واستن المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.
ويشتهر المشعر بمعالم تاريخية منها الشواخص الثلاث التي ترمى، وبه مسجد «الخيف»، الذي اشتق اسمه نسبة إلى ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، والواقع على السفح الجنوبي من جبل منى، وقريبا من الجمرة الصغرى، وقد صلى فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء من قبله.
يذكر أنه من الأحداث التاريخية الشهيرة التي وقعت في منى، بيعتا العقبة الأولى والثانية، ففي السنة 12 من البعثة كانت الأولى بمبايعة 12 رجلا من الأوس والخزرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تلتها الثانية في حج العام الـ 13 من البعثة وبايعه فيها عليه السلام 73 رجلا وامرأتان من أهل المدينة المنورة في الموقع نفسه، الذي يقع من الشمال الشرقي لجمرة العقبة، حيث بنى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور مسجد البيعة في عام 144هـ، الواقع بأسفل جبل «ثبير» قريبا من شعب بيعة العقبة، إحياء لهذه الذكرى التي عاهد حينها الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمؤازرته ونصرته.
وجاء اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بمشعر منى، استشعارا منها للفترة الزمنية التي يقضيها الحجاج في منى، وإيمانا من القيادة الرشيدة - أيدها الله - بحجم المتطلبات التي تضمن راحة ضيوف الرحمن خلال فترة أداء مناسكهم.