انتظرت بضعة أيام لعلها تتضاءل الأحزان بتلاوة القرآن وذكر الرحمن وعسى القلب أن يهدأ والمشاعر الجياشة تتضاءل أمام سعة كرم الله وعفوه، ورغم شعور الفقد المتنامي الذي لا يلجمه إلا الرضا بقضاء الله وقدره (كل نفس ذائقة الموت) إلا ان نهر الذكريات مازال يهدر بأحلى الأيام وأطيبها مع من كانت هي سبب وجودي في هذه الحياة الدنيا، أمي نبع الحنان ذات الحنكة والحكمة والرشد، فلا اذكر انها قد تكلمت بكلمة ندمت عليها بل انها كانت تنتقي كلماتها وتزنها بميزان الذهب، وكانت أولويات الحياة واضحة أمامها، تطلب ولا تأمر وتراعي مشاعر الصغير والكبير، وتدعو لنا بالذهاب والمجيء، وكانت تحب بقاءنا معها، لكن متى ما أخبرناها بأن لدينا مهمة ننجزها او وظيفة نقوم بحقها وفيها نفع للناس فإنها تضحي بحقها علينا لعلنا ننفع عباد الله بعلم ينفعهم او جهد يحقق لهم امانيهم. كيف لا؟! وهي من تشجع العلم والتعلم بداية من العلم الشرعي من قرآن وحديث وتدبر وحفظ لأسماء الله الحسنى، إلى ان دفعتنا لإكمال دراستنا الجامعية ثم الدراسات العليا، فلولا تشجيعها بعد الله لما اصبحت معلما ثم دكتورا في جامعة الكويت. اما عن باقي اهداف الحياة من ترشح لمجلس الأمة للقيام بخدمة الوطن وأبنائه والمثل العليا، فلقد كانت هي ووالدي رحمهما الله نعم العون والسند. أما عن دورها المشهود ايام الغزو العراقي الغاشم لدولتنا الحبيبة الكويت في 2 أغسطس 1990، فلا يختلف عليه اثنان فحملت على كاهلها في ظل العدوان كافة المخاطر وقادت مسيرة شركة والدها، رحمه الله، وأسرتها بشكل غير مسبوق بصحبة أخي وائل، حفظه الله، وكانت توزع الأدوية والمستلزمات الاستهلاكية المهمة على البيوت الكويتية، مما أوجد حالة من الاكتفاء النسبي لهم والحمد لله.
وتستمر المسيرة الطيبة للأم الحنون إلى ان بدأت بعض الأمراض تتعبها مع مر السنين إلى ان رقدت على السرير الأبيض ذاكرة شاكرة موصية بألا يفوتها فرض من الصلوات الخمس بمساعدة اختي إصلاح، حفظها الله، وفي آخر عشرة ايام من عمرها دخلت في غيبوبة ليتم اختيارها من الرب جلّ وعلا وليناديها الأجل المحتوم، حيث كانت تردد قبل ذلك ذكرياتها مع أبيها علي عبدالوهاب المطوع، وكيف حظيت بصحبته في رحلة حجته الأخير وهي ابنة التسع سنين وكانت تبدي مشاعر الاشتياق له ولأمها لولوة عبداللطيف بوحمدي، رحمها الله، ولعل الله جلت قدرته قد أذن بلقاء الأحبة ونسأله جلت قدرته أن يجمعها ويجمعنا معها مع احبابنا ومع رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه والحمد لله على أقداره المكتوبة.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أمي (هيا) الحبيبة الغالية لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا اليه راجعون).
ابنك المحب.. د.صلاح عبدالقادر العبدالجادر